فصل: فَصْلٌ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ الْبُلُوغِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (نسخة منقحة)



.كِتَابُ الْحَجْرِ:

الْمُنَاسَبَةُ بَيْنَ الْكِتَابَيْنِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الْعَوَارِضِ الَّتِي تُزِيلُ سَبَبَ الْوِلَايَةِ وَالرِّضَى وَسَبَبُ تَأْخِيرِ هَذَا الْكِتَابِ عَنْ الْإِكْرَاهِ؛ لِأَنَّ مَا تَقَدَّمَ عَلَيْهِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَهَذَا مُخْتَلَفٌ فِيهِ (هُوَ) فِي اللُّغَةِ الْمَنْعُ مُطْلَقًا أَيُّ مَنْعٍ كَانَ وَمِنْهُ سُمِّيَ الْحَطِيمُ حَجْرًا؛ لِأَنَّهُ مَنَعَ مِنْ الْكَعْبَةِ وَمِنْهُ سُمِّيَ الْعَقْلُ حَجْرًا؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ عَنْ الْقَبَائِحِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ} أَيْ لِذِي عَقْلٍ وَفِي الْعُرْفِ عِبَارَةٌ عَنْ مَنْعٍ حُكْمِيٍّ كَالنَّهْيِ إلَّا أَنَّ التَّصَرُّفَ فِي الْحَجْرِ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ بِحَالٍ فِي الْبَيْعِ وَفِي النَّهْيِ يُفِيدُهُ بَعْدَ الْقَبْضِ كَمَا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ فَهَذَا فَرْقٌ بَيْنَ الْحَجْرِ وَالنَّهْيِ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ وَكَذَا يُفَرَّقُ مِنْ حَيْثُ الْمَاهِيَّةُ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ هُوَ الْمَنْعُ لِحَقِّ الْغَيْرِ، وَالنَّهْيَ هُوَ الْمَنْعُ لِحَقِّ الشَّرْعِ وَفِي الشَّرْعِ (مَنْعُ نَفَاذِ تَصَرُّفٍ قَوْلِيٍّ)؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ فِي الْحُكْمِيَّاتِ دُونَ الْحِسِّيَّاتِ، وَنُفُوذُ الْقَوْلِ حُكْمِيٌّ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُرَدُّ وَلَا يُقْبَلُ وَالْفِعْلُ حِسِّيٌّ لَا يُمْكِنُ رَدُّهُ إذَا وَقَعَ فَلَا يُتَصَوَّرُ الْحَجْرُ عَنْهُ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ هُوَ مَنْعُ نَفَاذِ تَصَرُّفٍ قَوْلِيٍّ (وَأَسْبَابُهُ) أَيْ الْحَجْرِ (الصِّغَرُ) بِأَنْ يَكُونَ غَيْرَ بَالِغٍ فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُمَيِّزٍ كَأَنْ يَكُونَ عَدِيمَ الْعَقْلِ وَإِنْ كَانَ مُمَيِّزًا فَعَقْلُهُ نَاقِصٌ فَالضَّرَرُ مُحْتَمَلٌ وَإِذَا أَذِنَ لَهُ الْوَلِيُّ صَحَّ تَصَرُّفُهُ لِتَرَجُّحِ جَانِبِ الْمَصْلَحَةِ (وَالْجُنُونُ) وَفِي الدُّرَرِ فَإِنْ عَدِمَ الْإِفَاقَةَ كَانَ عَدِيمَ الْعَقْلِ كَصَبِيٍّ غَيْرِ مُمَيِّزٍ وَإِنْ وُجِدَتْ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ كَانَ نَاقِصَ الْعَقْلِ كَصَبِيٍّ عَاقِلٍ فِي تَصَرُّفَاتِهِ وَأَمَّا الْمَعْتُوهُ فَاخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِهِ وَأَحْسَنُ مَا قِيلَ فِيهِ هُوَ مَنْ كَانَ قَلِيلَ الْفَهْمِ مُخْتَلَطَ الْكَلَامِ فَاسِدَ التَّدْبِيرِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَضْرِبُ وَلَا يَشْتُمُ كَمَا يَفْعَلُ الْمَجْنُونُ (وَالرِّقُّ) لَيْسَ بِسَبَبٍ لِلْحَجْرِ فِي الْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ مُخْتَارٌ كَامِلُ الرَّأْيِ كَالْحُرِّ غَيْرُ أَنَّهُ وَمَا فِي يَدِهِ مِلْكٌ لِلْمَوْلَى فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَصَرَّفَ لِأَجْلِ حَقِّهِ فَإِنْ أَذِنَ الْمَوْلَى رَضِيَ بِفَوَاتِ حَقِّهِ اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى شَرَّفَ الْبَشَرَ بِالْإِنْعَامِ بِالْعَقْلِ وَرَكَّبَ فِيهِمْ الْهَوَى وَالْعَقْلَ وَجَعَلَ فِي الْمَلَائِكَةِ الْعَقْلَ دُونَ الْهَوَى وَفِي الْبَهَائِمِ الْهَوَى دُونَ الْعَقْلِ فَمَنْ غَلَبَ عَقْلُهُ عَلَى هَوَاهُ كَانَ أَفْضَلَ خَلْقِهِ لِمَا يُقَاسِي مِنْ مُخَالَفَةِ الْهَوَى وَمَنْ غَلَبَ هَوَاهُ عَلَى عَقْلِهِ كَانَ أَرْدَى مِنْ الْبَهَائِمِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ} فَجَعَلَ بَعْضَهُمْ ذَوِي النُّهَى حَتَّى كَانَ بَعْضُهُمْ أَئِمَّةَ الْهُدَى وَمَصَابِيحَ الدُّجَى وَابْتَلَى بَعْضَهُمْ بِالرَّدَى كَالْجُنُونِ وَالْعَتَهِ وَالصِّغَرِ وَجَعَلَ تَصَرُّفَ الصَّغِيرِ وَالْمَعْتُوهِ غَيْرَ نَافِذٍ بِالْحَجْرِ عَلَيْهِمَا كَيْ لَا يَتَعَلَّقَ بِهِمْ الضَّرَرُ بِاحْتِيَالِ بَعْضِ مَنْ يُعَامِلُهَا وَجَعَلَ الصِّبَا وَالْجُنُونَ سَبَبًا لِلْحَجْرِ عَلَيْهِمَا كُلُّ ذَلِكَ رَحْمَةٌ مِنْهُ وَلُطْفًا كَمَا فِي التَّبْيِينِ ثُمَّ فَرَّعَهُ بِقَوْلِهِ (فَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُ صَبِيٍّ أَوْ عَبْدٍ بِلَا إذْنِ وَلِيٍّ أَوْ سَيِّدٍ) لِمَا قَرَّرَنَا قُبَيْلَهُ هَذَا لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ فَلَوْ قَالَ وَسَيِّدٍ بِالْوَاوِ لَكَانَ أَوْلَى.
(وَلَا) يَصِحُّ (تَصَرُّفُ الْمَجْنُونِ الْمَغْلُوبِ بِحَالٍ) وَلَوْ أَجَازَهُ الْوَلِيُّ لِعَدَمِ عَقْلِهِ قَيَّدَ بِالْمَغْلُوبِ أَيْ الْمُسْتَغْرِقِ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ يُجَنُّ تَارَةً وَيُفِيقُ أُخْرَى فَهُوَ فِي حَالِ إفَاقَتِهِ كَالْعَاقِلِ (وَمَنْ عَقَدَ مِنْهُمْ) أَيْ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمَحْجُورِينَ (وَهُوَ يَعْقِلُهُ) أَيْ يَعْقِلُ الْعَقْدَ (فَوَلِيُّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُجِيزَهُ) أَيْ الْعَقْدَ (أَوْ يَفْسَخَهُ)؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِي عَقْدِهِ مَصْلَحَةٌ فَيُجِيزُهُ الْوَلِيُّ أَوْ الْمَوْلَى إنْ رَأَى فِيهِ ذَلِكَ كَعَقْدِ الْأَجْنَبِيِّ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لَا تَصِحُّ إجَازَتُهُ (وَمَنْ أَتْلَفَ مِنْهُمْ) أَيْ مِنْ الْمَحْجُورِينَ (شَيْئًا فَعَلَيْهِ) أَيْ عَلَى مَنْ أَتْلَفَ (ضَمَانُهُ) بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُمْ غَيْرُ مَحْجُورِينَ عَلَيْهِمْ فِي الْأَفْعَالِ.
(وَلَا يَصِحُّ طَلَاقُ الصَّبِيِّ أَوْ الْمَجْنُونِ) وَلَوْ قَالَ وَالْمَجْنُونِ بِالْوَاوِ لَكَانَ أَوْلَى (وَلَا) يَصِحُّ (إعْتَاقُهُمَا) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ عَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ» وَظَاهِرُهُ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَتَعَلَّقَ بِأَقْوَالِهِمَا حُكْمٌ وَكَذَلِكَ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُمَا وَلَا إعْتَاقُهُمَا (وَلَا إقْرَارُهُمَا) لِنُقْصَانِ عَقْلِهِمَا أَوْ عَدَمِهِ.
(وَصَحَّ طَلَاقُ الْعَبْدِ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «لَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ وَالْمُكَاتَبُ إلَّا الطَّلَاقَ».
(وَ) صَحَّ (إقْرَارُهُ) أَيْ إقْرَارُ الْعَبْدِ (فِي حَقِّ نَفْسِهِ) لِكَوْنِهِ مُكَلَّفًا وَأَهْلًا (لَا فِي حَقِّ سَيِّدِهِ) لِعَدَمِ وِلَايَةِ الْعَبْدِ عَلَيْهِ ثُمَّ فَرَّعَهُ بِقَوْلِهِ (فَلَوْ أَقَرَّ) أَيْ الْعَبْدُ الْمَحْجُورُ (بِمَالٍ لَزِمَهُ بَعْدَ عِتْقِهِ)؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى غَيْرِهِ وَهُوَ الْمَوْلَى لِمَا أَنَّهُ وَمَا فِي يَدِهِ مِلْكُ الْمَوْلَى فَإِذَا أَعْتَقَ زَالَ الْمَانِعُ هَذَا إذَا أَقَرَّ الْمَوْلَى وَأَمَّا إذَا أَقَرَّ لَهُ بِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ.
وَفِي الْخَانِيَّةِ وَلَوْ أَنَّ صَبِيًّا سَفِيهًا مَحْجُورًا اسْتَقْرَضَ مَالًا فَيُعْطِي صَدَاقَ الْمَرْأَةِ صَحَّ اسْتِقْرَاضُهُ فَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ الْمَرْأَةَ وَصَرَفَ الْمَالَ فِي بَعْضِ حَوَائِجِهِ لَا يُؤَاخَذُ بِهِ لَا فِي الْحَالِ وَلَا بَعْدَ الْبُلُوغِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الِالْتِزَامِ بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ فَإِنَّهُ يُؤَاخَذُ بَعْدَ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّهُ أَهْلُ الِالْتِزَامِ.
(وَإِنْ) أَقَرَّ الْعَبْدُ الْمَحْجُورُ (بِحَدٍّ أَوْ قَوَدٍ لَزِمَهُ فِي الْحَالِ)؛ لِأَنَّهُ مُبْقٍ عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ وَالْآدَمِيَّةِ فِي إيجَابِ الْحَدِّ عَلَيْهِ وَفِي حَقِّ الدَّمِ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ إقْرَارُ الْمَوْلَى عَلَيْهِ فِي الْحَدِّ وَالْقِصَاصِ.
(وَلَا يُحْجَرُ عَلَى السَّفِيهِ) أَيْ لَا يُحْجَرُ حُرٌّ عَاقِلٌ بَالِغٌ عَنْ التَّصَرُّفِ بِسَبَبِ سَفَهٍ هُوَ إتْلَافُ مَالٍ بِلَا مَصْلَحَةٍ لِخِفَّةِ عَقْلِهِ عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرَى الْحَجْرَ عَلَى الْحُرِّ الْبَالِغِ بِسَبَبِ السَّفَهِ وَالدَّيْنِ وَالْغَفْلَةِ.
(وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (كَانَ مُبَذِّرًا) لِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ قَادِرٌ عَلَى التَّصَرُّفِ فَإِبْطَالُ قُدْرَتِهِ يُؤَدِّي إلَى إهْدَارِ آدَمِيَّتِهِ وَهَذَا أَضَرُّ مِنْ ضَرَرِ الْإِتْلَافِ (وَمَنْ بَلَغَ غَيْرَ رَشِيدٍ) وَهُوَ لَا يُنْفِقُ مَالَهُ فِيمَا يَحِلُّ وَلَا يُمْسِكُ عَمَّا يَحْرُمُ وَيَتَصَرَّفُ فِيهِ بِالتَّبْذِيرِ وَالْإِسْرَافِ (لَا يُسْلَمُ إلَيْهِ مَالُهُ) بِالْإِجْمَاعِ لِبَقَاءِ أَثَرِ الصِّبَا فَلَوْ بَلَغَ رَشِيدًا ثُمَّ صَارَ سَفِيهًا لَا يُمْنَعُ الْمَالُ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَثَرِ الصِّبَا (مَا لَمْ يَبْلُغْ سِنُّهُ خَمْسًا وَعِشْرِينَ) سَنَةً (فَإِذَا بَلَغَهَا دُفِعَ إلَيْهِ) مَالُهُ عِنْدَ الْإِمَامِ.
(وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (لَمْ يُؤْنَسْ رُشْدُهُ)؛ لِأَنَّ هَذَا السِّنَّ لَا يَنْفَكُّ عَنْهُ الرُّشْدُ إلَّا نَادِرًا وَالْحُكْمُ فِي الشَّرْعِ لِلْغَلَبَةِ (وَإِنْ تَصَرَّفَ) السَّفِيهُ (فِيهِ) أَيْ فِي مَالِهِ (قَبْلَ ذَلِكَ) أَيْ قَبْلَ الْبُلُوغِ إلَى خَمْسٍ وَعِشْرِينَ (نَفَذَ) تَصَرُّفُهُ لِعَدَمِ الْحَجْرِ عِنْدَهُ كَمَا ذَكَرَ (وَعِنْدَهُمَا) وَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ (يُحْجَرُ عَلَى السَّفِيهِ وَلَا يُدْفَعُ إلَيْهِ مَالُهُ مَا لَمْ يُؤْنَسْ رُشْدُهُ وَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ) أَيْ تَصَرُّفُ السَّفِيهِ (فِيهِ) أَيْ فِي مَالِهِ بِسَبَبِ سَفَهٍ فِي تَصَرُّفَاتٍ لَا تَصِحُّ مَعَ الْهَزْلِ كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالْإِجَارَةِ وَالصَّدَقَةِ وَلَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ فِي غَيْرِهَا كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَلَا عَنْ الْأَسْبَابِ الْمُوجِبَةِ لِلْعُقُوبَةِ كَالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ إذْ لَا يَجْرِي الْحَجْرُ فِيهَا بِالْإِجْمَاعِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ} إلَى قَوْلِهِ {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} إذْ الْأَمْرُ بِالدَّفْعِ عِنْدَ إينَاسِ الرُّشْدِ فَلَا يَجُوزُ الدَّفْعُ قَبْلَ الْعِلْمِ بِالرُّشْدِ؛ لِأَنَّ عِلَّةَ الْمَنْعِ هِيَ السَّفَهُ فَبَقِيَ الْمَنْعُ مَا دَامَتْ الْعِلَّةُ بَاقِيَةً فَلَا يَكُونُ لِلزَّمَانِ دَخْلٌ هُنَا وَفِي التَّنْوِيرِ نَقْلًا عَنْ الْخَانِيَّةِ وَبِقَوْلِهِمَا يُفْتَى ثُمَّ فَرَّعَهُ بِقَوْلِهِ (فَإِنْ بَاعَ) الْمَحْجُورُ (لَا يَنْفُذُ) بَيْعُهُ؛ لِأَنَّهُ مَحْجُورٌ عِنْدَهُمَا وَفَائِدَةُ الْحَجْرِ عَدَمُ النَّفَاذِ.
(وَإِنْ) كَانَ (فِيهِ) أَيْ فِي بَيْعِهِ (مَصْلَحَةٌ) بِأَنْ كَانَ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ أَوْ كَانَ رَابِحًا وَكَانَ الثَّمَنُ بَاقِيًا فِي بَدْءٍ (أَجَازَهُ الْحَاكِمُ) وَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ أَقَلَّ مِنْ الْقِيمَةِ أَوْ كَانَ الْبَيْعُ خَاسِرًا أَوْ لَمْ يَبْقَ الثَّمَنُ فِي يَدِهِ لَمْ يُجِزْهُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ تَصَرُّفَهُ مَوْقُوفٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ فَإِذَا رَأَى الْحَاكِمُ فِيهِ مَصْلَحَةً أَجَازَهُ وَإِلَّا رَدَّهُ وَإِنْ بَاعَ قَبْلَ حَجْرِ الْقَاضِي جَازَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ.
(وَإِنْ أَعْتَقَ) عَبْدًا (نَفَذَ) عِتْقُهُ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ كُلَّ كَلَامٍ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْهَزْلُ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ السَّفَهُ وَالْعِتْقُ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْهَزْلُ فَيَنْفُذُ مِنْ السَّفِيهِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَنْفُذُ وَالْأَصْلُ عِنْدَهُ أَنَّ الْحَجْرَ بِسَبَبِ السَّفَهِ بِمَنْزِلَةِ الْحَجْرِ بِسَبَبِ الرِّقِّ حَتَّى لَا يَنْفُذَ بَعْدَهُ شَيْءٌ مِنْ تَصَرُّفَاتِهِ إلَّا الطَّلَاقُ كَالْمَرْقُوقِ، وَالْإِعْتَاقُ لَا يَصِحُّ مِنْ الرَّقِيقِ فَكَذَا مِنْ السَّفِيهِ (وَسَعَى الْعَبْدُ فِي قِيمَتِهِ) أَيْ إذَا نَفَذَ عِنْدَهُمَا فَعَلَى الْعَبْدِ أَنْ يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَوَّلًا؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ لِمَعْنَى النَّظَرِ وَذَلِكَ فِي رَدِّ الْعِتْقِ إلَّا أَنَّهُ مُتَعَذِّرٌ فَيَجِبُ رَدُّهُ بِرَدِّ الْقِيمَةِ كَمَا فِي الْحَجْرِ عَلَى الْمَرِيضِ وَفِي قَوْلِهِ الْأَخِيرِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ لَيْسَ عَلَيْهِ سِعَايَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ إنَّمَا يَجِبُ حَقًّا لِمُعْتِقِهِ وَالسِّعَايَةُ مَا عُهِدَ وُجُوبُهَا فِي الشَّرْعِ إلَّا لِحَقِّ غَيْرِ الْمُعْتِقِ.
(وَإِنْ دَبَّرَ) عَبْدَهُ (صَحَّ) تَدْبِيرُهُ؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ حَقَّ الْعِتْقِ لِلْمُدَبَّرِ فَيَعْتَبِرُ بِحَقِيقَةِ الْعِتْقِ إلَّا أَنَّهُ لَا تَجِبُ السِّعَايَةُ مَا دَامَ الْمَوْلَى حَيًّا؛ لِأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ (فَإِنْ مَاتَ) الْمَوْلَى (قَبْلَ رُشْدِهِ) أَيْ قَبْلَ أَنْ يُؤْنِسَ مِنْهُ الرُّشْدَ (سَعَى الْعَبْدُ فِي قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا)؛ لِأَنَّهُ بِمَوْتِ الْمَوْلَى عَتَقَ وَلِأَنَّهُ أَعْتَقَهُ فِي حَيَاتِهِ فَعَلَيْهِ السِّعَايَةُ فِي قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَاقَاهُ مُدَبَّرًا كَمَا لَوْ أَعْتَقَهُ بَعْدَ التَّدْبِيرِ.
وَفِي شَرْحِ الْكَنْزِ لِلْعَيْنِيِّ وَإِنْ جَاءَتْ جَارِيَتُهُ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ وَكَانَ الْوَلَدُ حُرًّا وَالْأَمَةُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَلَا تَسْعَى هِيَ وَلَا وَلَدُهَا فِي شَيْءٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَعْتَقَهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَدَّعِيَ الْوَلَدَ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا وَلَدٌ فَقَالَ هَذِهِ أُمُّ وَلَدِي كَانَتْ بِمَنْزِلَةِ أُمِّ الْوَلَدِ لَا يَقْدِرُ عَلَى بَيْعِهَا فَإِنْ مَاتَ سَعَتْ فِي كُلِّ قِيمَتِهَا كَالْمَرِيضِ إذَا قَالَ لِأَمَتِهِ وَلَيْسَ مَعَهَا وَلَدٌ فَقَالَ هَذِهِ أُمُّ وَلَدِي.
(وَيَصِحُّ تَزَوُّجُهُ) أَيْ تَزَوُّجُ السَّفِيهِ مُلَابِسًا (بِمَهْرِ الْمِثْلِ) وَإِنَّمَا صَحَّ نِكَاحُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْهَزْلُ فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ السَّفَهُ مَعَ أَنَّ التَّزَوُّجَ مِنْ حَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةِ وَمِنْ ضَرُورَةِ صِحَّةِ النِّكَاحِ وُجُوبُ الْمَهْرِ فَيَلْزَمُ مِنْهُ قَدْرُ مَهْرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ ضَرُورَاتِ صِحَّتِهِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ لَكِنْ أَنَّ مَا هُوَ مِنْ ضَرُورَاتِ صِحَّةِ النِّكَاحِ مِقْدَارُ النِّصَابِ مِنْ الْمَهْرِ لَا قَدْرُ مَهْرِ الْمِثْلِ تَدَبَّرْ (وَإِنْ سَمَّى أَكْثَرَ) أَيْ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ (بَطَلَتْ الزِّيَادَةُ)؛ لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَيْهِ يَلْزَمُهُ بِالتَّسْمِيَةِ وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْتِزَامِ الْمَالِ وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَجَبَ لَهَا نِصْفُ الْمُسَمَّى وَكَذَا لَوْ تَزَوَّجَ أَرْبَعًا أَوْ تَزَوَّجَ كُلَّ يَوْمٍ وَاحِدَةً فَطَلَّقَهَا كَمَا فِي التَّبْيِينِ.
(وَتُخْرَجُ) عَلَى صِيغَةِ الْمَبْنِيِّ لِلْمَفْعُولِ مِنْ الْأَفْعَالِ (زَكَاةُ مَالِ السَّفِيهِ)؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى (وَيُنْفَقُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ مَالِهِ (عَلَيْهِ وَعَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ) مِنْ أَوْلَادِهِ وَزَوْجَتِهِ وَسَائِرِ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ؛ لِأَنَّ إحْيَاءَ هَؤُلَاءِ مِنْ حَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةِ حَقًّا لِقَرِيبِهِ وَالسَّفَهُ لَا يَبْطُلُ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا حَقَّ النَّاسِ (وَيَدْفَعُ الْقَاضِي قَدْرَ الزَّكَاةِ) مِنْ مَالِهِ (إلَيْهِ) أَيْ إلَى السَّفِيهِ (لِيُؤَدِّيَ بِنَفْسِهِ) لِيَصْرِفَهَا إلَى مَصْرِفِهَا لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ الْإِيتَاءُ وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ فِعْلٍ يَفْعَلُهُ هُوَ عِبَادَةٌ وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ إلَّا بِنِيَّةٍ (وَيُوَكَّلُ) أَيْ الْقَاضِي (أَمِينًا إلَى أَنْ يُؤَدِّيَهَا) كَيْ لَا يَصْرِفَهَا إلَى غَيْرِ الْمَصْرِفِ وَيُسَلِّمَ الْقَاضِي النَّفَقَةَ إلَى أَمِينِهِ لِيَصْرِفَهُ إلَى مُسْتَحِقِّهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى النِّيَّةِ فَاكْتَفَى فِيهَا بِفِعْلِ الْأَمِينِ (فَإِنْ أَرَادَ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ لَا يُمْنَعُ مِنْهَا) أَيْ مِنْ الْحَجَّةِ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ غَيْرِ صُنْعِهِ.
وَفِي الْفَرَائِضِ هُوَ مُلْحَقٌ بِالْمُصْلِحِ وَغَيْرِ السَّفِيهِ إذْ لَا تُهْمَةَ فِيهِ (وَلَا) يُمْنَعُ (مِنْ عُمْرَةٍ وَاحِدَةٍ) وَالْقِيَاسُ أَنْ يُمْنَعَ؛ لِأَنَّهُ تَطَوُّعٌ كَالْحَجِّ تَطَوُّعًا وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ عِنْدَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ فَيُمَكَّنُ مِنْهَا احْتِيَاطًا وَكَذَا لَا يُمْنَعُ مِنْ أَنْ يَسُوقَ الْبَدَنَةَ تَحَرُّزًا عَنْ مَوْضِعِ الْخِلَافِ وَلَا يُمْنَعُ مِنْ الْقِرَانِ وَإِنْ جَنَى فِي إحْرَامِهِ يُنْظَرُ إنْ كَانَتْ جِنَايَةً تَجُوزُ فِيهَا الصَّوْمُ كَقَتْلِ الصَّيْدِ وَالْحَلْقِ عَنْ أَذًى وَنَحْوِ ذَلِكَ لَا يُمَكَّنُ مِنْ التَّكْفِيرِ بِالْمَالِ بَلْ يُكَفِّرُ بِالصَّوْمِ وَإِنْ كَانَتْ جِنَايَةً لَا يَجْرِي فِيهِ الصَّوْمُ كَالْحَلْقِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَالتَّطَيُّبِ وَتَرْكِ الْوَاجِبَاتِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الدَّمُ لَكِنْ لَا يُمَكَّنُ مِنْ التَّكْفِيرِ فِي الْحَالِ بَلْ يُؤَخَّرُ إلَى أَنْ يَصِيرَ مُصْلِحًا بِمَنْزِلَةِ الْفَقِيرِ الَّذِي لَا يَجِدُ مَالًا وَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي الْإِحْرَامِ وَكَذَا لَوْ جَامَعَ امْرَأَتَهُ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ تَلْزَمُهُ بَدَنَةٌ ثُمَّ يَتَأَخَّرُ إلَى أَنْ يَصِيرَ مُصْلِحًا (وَتُدْفَعُ نَفَقَتُهُ) أَيْ نَفَقَةُ السَّفِيهِ فِي طَرِيقِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ (إلَى ثِقَةٍ) مِنْ الْحُجَّاجِ (يُنْفِقُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى السَّفِيهِ (فِي الطَّرِيقِ) بِالْمَعْرُوفِ (لَا) تُدْفَعُ (إلَيْهِ) كَيْ لَا يُبَذِّرَ وَلَا يُسْرِفَ.
(وَتَصِحُّ مِنْهُ) أَيْ مِنْ السَّفِيهِ (الْوَصِيَّةُ بِالْقُرَبِ) جَمْعُ قُرْبَةٍ (وَأَبْوَابُ الْخَيْرِ) مِنْ الثُّلُثِ إنْ كَانَ لَهُ وَارِثٌ وَالْقِيَاسُ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ؛ لِأَنَّهَا تَبَرُّعٌ لَكِنَّا اسْتَحْسَنَّا ذَلِكَ إذَا كَانَتْ مِثْلَ وَصَايَا النَّاسِ؛ لِأَنَّهَا قُرْبَةٌ يَتَقَرَّبُ بِهَا إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ يَحْتَاجُ إلَيْهَا سِيَّمَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَفِي إشَارَةٍ إلَى أَنَّهُ إذَا أَوْصَى بِمَا يَسْتَقْبِحُهُ الْمُسْلِمُونَ فَلَا يَنْفُذُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ.
(وَيُحْجَرُ عَلَى الْمُفْتِي الْمَاجِنِ) هُوَ الَّذِي يُعَلِّمُ النَّاسَ الْحِيَلَ الْبَاطِلَةَ بِأَنْ عَلَّمَ الْمَرْأَةَ الِارْتِدَادَ لِتَبِينَ مِنْ زَوْجِهَا وَبِأَنْ عَلَّمَ الرَّجُلَ أَنْ يَرْتَدَّ لِتَسْقُطَ عَنْهُ الزَّكَاةُ ثُمَّ يُسْلِمُ وَلَا يُبَالِي أَنْ يُحَرِّمَ حَلَالًا وَيُحِلَّ حَرَامًا (وَالطَّبِيبِ الْجَاهِلِ) وَهُوَ الَّذِي يَسْقِي النَّاسَ فِي أَمْرَاضِهِمْ دَوَاءً مُخَالِفًا لِعَدَمِ عِلْمِهِ فَيُفْسِدُ أَبْدَانَ الْمُسْلِمِينَ (وَالْمُكَارِي الْمُفْلِسِ)؛ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ الْكِرَاءَ أَوَّلًا لِيَشْتَرِيَ بِهِ الْجِمَالَ وَالظَّهْرَ وَيَدْفَعَ إلَى بَعْضِ دُيُونِهِ فَيَعُوقَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ نَحْوِ الْحَجِّ وَالْغَزْوِ (اتِّفَاقًا) قَيْدٌ لِلثَّلَاثَةِ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ مَنْعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا دَفْعُ ضَرَرِ الْعَامَّةِ إذْ الْمُفْتِي الْمَاجِنُ يُفْسِدُ عَلَى النَّاسِ دِينَهُمْ وَالطَّبِيبُ الْجَاهِلُ يُهْلِكُ أَبْدَانَهُمْ وَالْمُكَارِي الْمُفْلِسُ يُتْلِفُ أَمْوَالَهُمْ فَيُحْجَرُ هَؤُلَاءِ عَنْ عَمَلِهِمْ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ عَنْ ذَلِكَ مِنْ بَابِ أَمْرٍ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ (وَلَا يُحْجَرُ عَلَى فَاسِقٍ) سَوَاءٌ كَانَ أَصْلِيًّا أَوْ طَارِئًا (وَمُغَفَّلٍ إذَا كَانَ) كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا (مُصْلِحًا لِمَالِهِ)؛ لِأَنَّ حَجْرَ السَّفِيهِ عِنْدَهُمَا كَانَ لِلنَّظَرِ لَهُ صِيَانَةً وَالْفَاسِقُ يُصْلِحُ مَالَهُ فَيَدْخُلُ فِي قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} لِأَنَّهُ تَعَالَى عَلَّقَ الدَّفْعَ بِعِلْمِ رُشْدٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ فِي الْإِثْبَاتِ فَيَكُونُ أَقَلُّهُ كَافِيًا فَالْمُرَادُ هُوَ الرُّشْدُ فِي الْمَالِ لَا فِي الدِّينِ بِكَسْرِ الدَّالِ وَإِلَّا يَلْزَمْ الرُّشْدُ وَلَوْ كَانَ الْفِسْقُ مُوجِبًا لِلْحَجْرِ لَكَانَ حَجْرُ الْكَافِرِ أَوْلَى بِهِ وَلَمْ يَذْهَبْ إلَيْهِ أَحَدٌ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُمْنَعُ زَجْرًا لَهُ وَعُقُوبَةً عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ مُصْلِحًا لِمَالِهِ وَلِذَا لَا يَكُونُ الْفَاسِقُ أَهْلًا لِلْوِلَايَةِ وَالشَّهَادَةِ عِنْدَهُ.
وَفِي الْمَنْحِ وَلَوْ أَنَّ قَاضِيًا حَجَرَ عَلَى مُفْسِدٍ يَسْتَحِقُّ الْحَجْرَ ثُمَّ رُفِعَ إلَى قَاضٍ آخَرَ فَأَطْلَقَهُ وَرَفَعَ عَنْهُ الْحَجْرَ فَأَجَازَ مَا صَنَعَ جَازَ إطْلَاقُ الثَّانِي؛ لِأَنَّ قَضَاءَ الْأَوَّلِ كَانَ فِي فَصْلٍ مُجْتَهَدٍ فِيهِ وَهَذَا اخْتِلَافٌ فِي نَفْسِ الْقَضَاءِ وَلِأَنَّ الْحَجْرَ الْأَوَّلَ لَمْ يَكُنْ قَضَاءً لِعَدَمِ الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ فَيَنْفُذُ قَضَاءُ الثَّانِي فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ قَضَى وَهُوَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ فَإِذَا أَطْلَقَهُ الثَّانِي صَحَّ إطْلَاقُهُ وَلَيْسَ لِلْقَاضِي الثَّالِثِ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يُنَفِّذَ قَضَاءَ الْأَوَّلِ بِالْحَجْرِ وَكَذَا لَا يُحْجَرُ مَنْ لَهُ غَفْلَةٌ شَدِيدَةٌ عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُفْسِدٍ مَالَهُ وَلَا يَقْصِدُهُ لَكِنَّهُ لَا يَهْتَدِي إلَى التَّصَرُّفَاتِ الرَّابِحَةِ فَيَغْبِنُ فِي الْبِيَاعَاتِ لِسَلَامَةِ قَلْبِهِ وَعِنْدَهُمَا يَمْنَعُ الْقَاضِي عَنْ التَّصَرُّفِ شَفَقَةً لَهُ وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ لَكِنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَذْكُرْ الِاخْتِلَافَ فِي الْمَتْنِ بَلْ أَتَى بِصُورَةِ الِاتِّفَاقِ اكْتِفَاءً بِذِكْرِ الْخِلَافِ فِي حُكْمِ السَّفِيهِ لِلْمُشَارَكَةِ فِي إتْلَافِ الْمَالِ أَوْ لِعَدَمِ اعْتِنَاءِ قَوْلِهِمَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ تَتَبَّعْ.
(وَلَا) يُحْجَرُ (عَلَى مَدْيُونٍ) وَإِنْ طَلَبَ الْحَجْرَ غُرَمَاؤُهُ عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ عَنْ التَّصَرُّفِ بِطَلَبِ الْغُرَمَاءِ يُبْطِلُ أَهْلِيَّتَهُ وَإِلْحَاقَهُ بِالْبَهَائِمِ وَهُوَ شَنِيعٌ لَا يُرْتَكَبُ لِدَفْعِ ضَرَرٍ خَاصٍّ (وَلَا بِبَيْعِ الْقَاضِي مَالَهُ) أَيْ مَالَ الْمَدْيُونِ (فِيهِ) أَيْ فِي الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْحَاكِمِ فِيهِ حَجْرٌ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ الْبَيْعَ لَا يَجُوزُ إلَّا بِالتَّرَاضِي بِالنَّصِّ فَيَكُونُ بَاطِلًا (بَلْ يَحْبِسُهُ) أَيْ الْقَاضِي لِبَيْعِ مَالِهِ (أَبَدًا حَتَّى يَبِيعَهُ) أَيْ الْمَالَ (هُوَ) أَيْ الْمَدْيُونُ (بِنَفْسِهِ) فَيَكُونَ الْجِنْسُ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ لَا لِأَجْلِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ بِالْبَيْعِ لَيْسَ بِطَرِيقٍ مُتَعَيَّنٍ بَلْ يَكُونُ بِالِاسْتِيهَابِ وَالِاسْتِقْرَاضِ وَالصَّدَقَةِ مِنْ النَّاسِ إلَّا أَنَّ قُدْرَتَهُ عَلَى الْقَضَاءِ بِبَيْعِ مَالِهِ الْمَوْجُودِ أَظْهَرُ مِنْ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ بِالِاسْتِقْرَاضِ وَغَيْرِهِ وَسَبَبُ الْحَبْسِ الْمُمَاطَلَةُ وَالظُّلْمُ بِتَأْخِيرِ الْقَضَاءِ الْوَاجِبِ وَامْتِنَاعُهُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ (فَإِنْ كَانَ) وَالْأَوْلَى بِالْوَاوِ (مَالُهُ) أَيْ مَالُ الْمَدْيُونِ (مِنْ جِنْسِ دَيْنِهِ) كَالدَّرَاهِمِ (أَدَّاهُ) أَيْ الدَّيْنَ (الْحَاكِمُ مِنْهُ) مِنْ جِنْسِ الدَّرَاهِمِ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ لِلدَّائِنِ الْأَخْذَ بِلَا رِضَى الْمَدْيُونِ عِنْدَ الْمُجَانَسَةِ فَالْقَاضِي إذَا قَضَى دَيْنَهُ لَا يَلْزَمُهُ حَجْرُهُ عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ مِنْ الْقَاضِي إعَانَةٌ (وَيَبِيعُ أَحَدَ النَّقْدَيْنِ بِالْآخَرِ اسْتِحْسَانًا) بِالْإِجْمَاعِ وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَبِيعُ الدَّرَاهِمَ لِلدَّنَانِيرِ وَلَا الدَّنَانِيرَ لِلدَّرَاهِمِ لِلِاخْتِلَافِ فِي الصُّورَةِ وَلَا يُؤْخَذُ رَبُّ الدَّيْنِ جَبْرًا وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ الِاتِّحَادُ فِي الثَّمَنِيَّةِ وَلِذَا يُضَمُّ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ فِي الزَّكَاةِ (وَعِنْدَهُمَا) وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ (يُحْجَرُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمَدْيُونِ (إنْ طَلَبَ غُرَمَاؤُهُ) الْحَجْرَ عَلَيْهِ (وَيُمْنَعُ مِنْ التَّصَرُّفِ) الَّذِي يَضُرُّ بِالْغُرَمَاءِ.
(وَ) يُمْنَعُ مِنْ (الْإِقْرَارِ) أَيْ إقْرَارِ الدَّيْنِ بِغَيْرِهِمْ حَتَّى لَا يَضُرَّ بِالْغُرَمَاءِ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ عَلَى السَّفِيهِ إنَّمَا جَوَّزَاهُ نَظَرًا لَهُ وَفِي هَذَا الْحَجْرِ نَظَرٌ لِلْغُرَمَاءِ لِأَنَّهُ عَسَاهُ يُلْجِئُ مَالَهُ فَيَفُوتُ حَقُّهُمْ وَمَعْنَى قَوْلِهِمَا وَمَنْعُهُ مِنْ الْبَيْعِ أَنْ يَكُونَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ أَمَّا الْبَيْعُ بِثَمَنِ الْمِثْلِ لَا يُبْطِلُ حَقَّ الْغُرَمَاءِ وَالْمَنْعُ لِحَقِّهِمْ فَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ (وَيَبِيعُ الْحَاكِمُ مَالَهُ) أَيْ مَالَ الْمَدْيُونِ الْحَاضِرِ لِيُؤَدِّيَ الدَّيْنَ مِنْ ثَمَنِهِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ غَائِبًا لَا يَبِيعُ مَالَهُ اتِّفَاقًا (إنْ امْتَنَعَ مِنْ بَيْعِهِ وَيَقْسِمُهُ) أَيْ يَقْسِمُ ثَمَنَهُ (بَيْنَ غُرَمَائِهِ بِالْحِصَصِ) إذْ الْإِيفَاءُ حَقٌّ عَلَيْهِ فَبِإِبَائِهِ نَابَ عَنْهُ الْحَاكِمُ كَجُبٍّ فَإِنَّ الْمَجْبُوبَ إذَا امْتَنَعَ عَنْ الْمُفَارَقَةِ فَرَّقَ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا وَالْأَصْلُ أَنَّ مَنْ امْتَنَعَ عَنْ إيفَاءِ حَقٍّ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهِ وَهُوَ مِمَّا تَجْرِي فِيهِ النِّيَابَةُ نَابَ الْقَاضِي مَنَابَهُ كَذِمِّيٍّ أَسْلَمَ عَبْدُهُ فَأَبَى أَنْ يَبِيعَهُ بَاعَهُ الْقَاضِي عَلَيْهِ.
(وَإِنْ أَقَرَّ حَالَ حَجْرِهِ) بِمَالٍ (لَزِمَهُ) ذَلِكَ الْمَالُ (بَعْدَ قَضَاءِ دُيُونِهِ لَا فِي الْحَالِ)؛ لِأَنَّ الْمَدْيُونَ لَمَّا حَجَر لِلْغُرَمَاءِ تَعَلَّقَ حَقُّهُمْ بِمَا فِي يَدِهِ فَلَا يَمْلِكُ إبْطَالَهُ بِالْإِقْرَارِ لِغَيْرِهِمْ مَعَ أَنَّ الْإِقْرَارَ أَمْرٌ مُشَاهَدٌ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ كَاذِبًا فَلَا يُزَاحِمُ لَكِنْ يَنْفُذُ إقْرَارُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ اسْتَفَادَ مَالًا آخَرَ بَعْدَ الْحَجْرِ نَفَذَ إقْرَارُهُ وَتَبَرُّعَاتُهُ فِيهِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمْ تَعَلَّقَ بِالْمَالِ الْقَائِمِ لَا بِالْمُسْتَفَادِ وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ اسْتَهْلَكَ مَالًا لِغَيْرِهِمْ فَلَهُ أَنْ يُشَارِكَهُمْ فِيمَا فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّهُ مُشَاهَدٌ وَكَذَا لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِمَهْرِ مِثْلِهَا وَكَذَا لَوْ كَانَ سَبَبُ وُجُوبِ الدَّيْنِ ثَابِتًا عِنْدَ الْقَاضِي بِعِلْمِهِ أَوْ بِشَهَادَةِ الشُّهُودِ فَلَهُ أَنْ يُشَارِكَهُمْ فِيهِ (وَيُنْفِقُ مِنْ مَالِ الْمُفْلِسِ عَلَيْهِ وَعَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ) كَأَوْلَادِهِ الصِّغَارِ وَزَوْجَتِهِ وَذَوِي أَرْحَامِهِ لِأَنَّ حَاجَتَهُ الْأَصْلِيَّةَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْغُرَمَاءِ (وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا فِي بَيْعِ مَالِهِ لِامْتِنَاعِهِ) عَنْ الْبَيْعِ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ (وَيُبَاعُ النُّقُودُ) جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا كَأَنَّ قَائِلًا قَالَ إذَا كَانَ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا فِي بَيْعِ مَالِهِ فَأَيٌّ يُبَاعُ أَوَّلًا فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ وَيُبَاعُ النُّقُودُ أَوَّلًا (ثُمَّ) يُبَاعُ (الْعُرُوض ثُمَّ الْعَقَارُ) وَقِيلَ يَبْدَأُ الْقَاضِي بِبَيْعِ مَا يَخْشَى عَلَيْهِ التَّوَى مِنْ عُرُوضِهِ ثُمَّ مَا لَا يَخْشَى عَلَيْهِ التَّلَفَ مِنْهُ ثُمَّ بَيْعِ الْعَقَارِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْقَاضِيَ نُصِّبَ نَاظِرًا فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنْظُرَ لِلْمَدِينِ كَمَا يَنْظُرُ لِلْمُدَايِنِ فَيَبِيعُ مَا كَانَ أَنْظَرَ إلَيْهِ وَبَيْعُ مَا يَخْشَى عَلَيْهِ التَّلَفَ أَنْظَرُ لَهُ (وَيُتْرَكُ لَهُ) أَيْ لِلْمَدْيُونِ (دَسْتٌ مِنْ ثِيَابِ بَدَنِهِ) وَيُبَاعُ الْبَاقِي؛ لِأَنَّ بِهِ كِفَايَةً (وَقِيلَ) يُتْرَكُ لَهُ (دَسْتَانِ)؛ لِأَنَّهُ إذَا غَسَلَ ثِيَابَهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مَلْبَسٍ وَقَالُوا إذَا كَانَ لِلْمَدِينِ ثِيَابٌ يَلْبَسُهَا وَيَكْتَفِي بِدُونِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَبِيعُ ثِيَابَهُ فَيَقْضِي الدَّيْنَ بِبَعْضِ ثَمَنِهَا وَيَشْتَرِي بِمَا بَقِيَ ثَوْبًا يَلْبَسُهُ لِأَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ فَرْضٌ عَلَيْهِ وَكَانَ أَوْلَى مِنْ التَّجَمُّلِ وَعَلَى هَذَا إذَا كَانَ لَهُ مَسْكَنٌ وَيُمْكِنُهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِمَا دُونَ ذَلِكَ يَبِيعُ ذَلِكَ الْمَسْكَنَ وَيَقْضِي بِبَعْضِ الثَّمَنِ الدَّيْنَ وَيَشْتَرِي بِالْبَاقِي مَسْكَنًا يَكْفِيهِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ.
(وَمَنْ أَفْلَسَ وَعِنْدَهُ مَتَاعُ رَجُلٍ شَرَاهُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الرَّجُلِ فَقَبَضَهُ مِنْ الْبَائِعِ بَعْدَ الشِّرَاءِ بِإِذْنِهِ وَالْمَتَاعُ قَائِمٌ بِيَدِهِ (فَرَبُّ الْمَتَاعِ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ فِيهِ) أَيْ فِي الْمَتَاعِ فَيَبِيعُ وَيَقْسِمُ ثَمَنَهُ بَيْنَهُمْ بِالْحِصَصِ إذَا كَانَ الدَّيْنُ كُلُّهُ حَالًّا وَأَمَّا إذَا كَانَ الدَّيْنُ بَعْضُهُ حَالًّا فَيَقْسِمُ بَيْنَ غُرَمَاءِ الْحَالِ ثُمَّ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْأَجَلِ شَارَكَهُمْ فِيمَا قَبَضُوهُ بِالْحِصَصِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ قَيَّدْنَا الْقَبْضَ بَعْدَ الشِّرَاءِ بِالْإِذْنِ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَفْلَسَ قَبْلَ قَبْضِهِ أَوْ بَعْدَهُ بِغَيْرِ إذْنِ بَائِعِهِ كَانَ لِلْبَائِعِ اسْتِرْدَادُهُ وَحُبِسَ الْمَبِيعُ بِالثَّمَنِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الْبَائِعُ أَوْلَى سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ.

.فَصْلٌ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ الْبُلُوغِ:

(يُحْكَمُ بِبُلُوغِ الْغُلَامِ بِالِاحْتِلَامِ أَوْ الْإِنْزَالِ أَوْ الْإِحْبَالِ) أَيْ بِجَعْلِ الْمَرْأَةِ حُبْلَى (وَبِبُلُوغِ الْجَارِيَةِ بِالْحَيْضِ أَوْ الِاحْتِلَامِ أَوْ الْحَبَلِ) بِفَتْحَتَيْنِ وَذَا لَا يَكُونُ بِلَا إنْزَالٍ مِنْهَا وَلِذَا لَمْ يَذْكُرْ الْإِنْزَالَ فِي الْجَارِيَةِ قِيلَ وَجْهُ عَدَمِ الذِّكْرِ فِيهَا أَنَّهُ أَمْرٌ بَاطِنِيٌّ لَا يُعْلَمُ مِنْهَا كَمَا يُعْلَمُ مِنْ الصَّبِيِّ وَفِي الدُّرَرِ وَالْأَصْلُ أَنَّ الْبُلُوغَ يَكُونُ بِالْإِنْزَالِ حَقِيقَةً وَلَكِنْ غَيْرُهُ مِمَّا ذَكَرَ لَا يَكُونُ إلَّا مَعَ الْإِنْزَالِ فَجَعَلَ كُلَّ وَاحِدٍ عَلَامَةً عَلَى الْبُلُوغِ وَفِي التَّسْهِيلِ فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالِاحْتِلَامِ هُوَ الِاحْتِلَامُ مَعَ الْإِنْزَالِ فَحِينَئِذٍ يُغْنِي ذِكْرُ الِاحْتِلَامِ.
وَفِي الْفَرَائِدِ فِي عَدَمِ كَوْنِ الْحَيْضِ إلَّا مَعَ الْإِنْزَالِ كَلَامٌ تَدَبَّرْ.
انْتَهَى.
لَكِنْ يُمْكِنُ أَنَّ الْحَيْضَ لَا يُوجَدُ إلَّا مِمَّنْ تَحْبَلُ عَادَةً وَذَا يَكُونُ بَعْدَ الْإِنْزَالِ (فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ أَسْبَابِ الْحُكْمِ بِبُلُوغِهِمَا (فَإِذَا تَمَّ لَهُ) أَيْ لِلْغُلَامِ (ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً) يُحْكَمُ بِبُلُوغِهِ.
(وَ) إذَا تَمَّ (لَهَا سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً) يُحْكَمُ بِبُلُوغِهَا عِنْدَ الْإِمَامِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إلَّا بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ} وَأَشُدُّ الْغُلَامِ عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا وَمَنْ تَبِعَهُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً وَقِيلَ اثْنَانِ وَعِشْرُونَ وَقِيلَ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ فَوَجَبَ أَنْ يَدُورَ الْحُكْمُ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ لِلِاحْتِيَاطِ إلَّا أَنَّ الْجَارِيَةَ أَسْرَعُ فِي بُلُوغِهَا مِنْ الْغُلَامِ فَفَرَّقْنَا بَيْنَهُمَا بِسَنَةٍ (وَعِنْدَهُمَا) وَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ (إذَا تَمَّ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فِيهِمَا) أَيْ فِي الْغُلَامِ وَالْجَارِيَةِ (وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ وَبِهِ يُفْتَى)؛ لِأَنَّ عَلَامَةَ الْبُلُوغِ لَا تَتَأَخَّرُ عَنْ هَذِهِ الْمُدَّةِ فِيهِمَا غَالِبًا (وَأَدْنَى مُدَّتِهِ) أَيْ مُدَّةِ الْبُلُوغِ بِالِاحْتِلَامِ وَنَحْوِهِ (لَهُ) أَيْ لِلْغُلَامِ (ثَنَتَا عَشْرَ سَنَةً وَلَهَا) أَيْ لِلْجَارِيَةِ أَدْنَى الْمُدَّةِ (تِسْعُ سِنِينَ) كَذَا ذَكَرُوا وَلَا يُعْرَفُ ذَلِكَ إلَّا سَمَاعًا أَوْ بِالتَّتَبُّعِ (وَإِذَا رَاهَقَا) أَيْ قُرْبًا بِالْبُلُوغِ (وَقَالَا) قَدْ (بَلَغْنَا صُدِّقَا) فِي دَعْوَاهُمَا إنْ لَمْ يُكَذِّبْهُمَا الظَّاهِرُ لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ صَبِيٌّ أَقَرَّ أَنَّهُ بَالِغٌ وَقَاسَمَ وَصِيَّ الْمَيِّتِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ إنْ كَانَ الصَّبِيُّ مُرَاهِقًا قُبِلَ قَوْلُهُ وَيَجُوزُ قِسْمَتُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُرَاهِقًا وَيُعْلَمُ أَنَّ مِثْلَهُ لَا يَحْتَلِمُ لَا تَجُوزُ قِسْمَتُهُ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يَكْذِبُ ظَاهِرًا وَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ بَعْدَ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً إذَا كَانَ بِحَالٍ لَا يَحْتَلِمُ مِثْلُهُ إذَا أَقَرَّ بِالْبُلُوغِ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ (وَكَانَا) أَيْ الْغُلَامُ وَالْجَارِيَةُ (كَالْبَالِغِ حُكْمًا) أَيْ أَحْكَامُهُمَا حُكْمُ الْبَالِغِينَ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ إلَّا مِنْ جِهَتِهِمَا فَيُقْبَلُ فِيهِ قَوْلُهُمَا بِالضَّرُورَةِ.

.كِتَابُ الْمَأْذُونِ:

إيرَادُ الْمَأْذُونِ بَعْدَ الْحَجْرِ ظَاهِرُ الْمُنَاسَبَةِ إذْ الْإِذْنُ يَقْتَضِي سَبْقَ الْحَجْرِ وَفِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ الْإِعْلَامِ وَفِي الشَّرْعِ (الْإِذْنُ فَكُّ الْحَجْرِ) الثَّابِتِ شَرْعًا (وَإِسْقَاطُ الْحَقِّ) مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ حَقُّ الصَّبِيِّ أَوْ الْمَعْتُوهِ أَوْ حَقُّ مَوْلَى عَبْدٍ وَقَدْ ذَهَبَ الْبَعْضُ إلَى تَخْصِيصِ الْإِسْقَاطِ بِحَقِّ مَوْلَى الْعَبْدِ هُنَا وَهُوَ التَّصَرُّفُ وَالْخِدْمَةُ لِمَوْلَاهُ إذْ هَذَا الْحَقُّ يَمْنَعُ تَصَرُّفَ الْعَبْدِ لِنَفْسِهِ فَإِذَا أَسْقَطَ الْمَوْلَى حَقَّهُ هَذَا يَقْدِرُ الْعَبْدُ إلَى الِاكْتِسَابِ بِالْإِضَافَةِ إلَى نَفْسِهِ لِيَتَعَلَّقَ حَقُّ مَنْ يُعَامِلُهُ بِذِمَّتِهِ وَلَا يَقْدِرُ إلَى دَفْعِ يَدِ مَوْلَاهُ عَمَّا اكْتَسَبَهُ كَالْحُرِّ فَيَأْخُذُ مِنْ كَسْبِ عَبْدِهِ كَمَا فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ لِابْنِ الشَّيْخِ.
وَفِي الدُّرَرِ وَالْإِذْنُ نَوْعَانِ أَحَدُهُمَا إذْنُ الْعَبْدِ وَهُوَ فَكُّ الْحَجْرِ بِالرِّقِّ الثَّابِتِ شَرْعًا عَلَى الْعَبْدِ وَإِسْقَاطُ الْحَقِّ فَيَتَصَرَّفُ الْعَبْدُ لِنَفْسِهِ لِأَهْلِيَّتِهِ وَالنَّوْعُ الثَّانِي إذْنُ الصَّبِيِّ وَالْمَعْتُوهِ وَهُوَ فَكُّ الْحَجْرِ وَإِثْبَاتُ الْوِلَايَةِ لَهُمَا (ثُمَّ يَتَصَرَّفُ الْعَبْدُ) بَعْدَ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ (بِأَهْلِيَّتِهِ) الْقَدِيمَةِ فَقَوْلُهُ ثُمَّ يَتَصَرَّفُ عُطِفَ عَلَى مَحْذُوفٍ فَإِنَّ قَوْلَهُ الْإِذْنُ فَكُّ الْحَجْرِ مَعْنَاهُ إذَا أَذِنَ الْمَوْلَى يَنْفَكُّ الْحَجْرُ عَنْ الْعَبْدِ فَعُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ يَنْفَكُّ قَوْلُهُ ثُمَّ يَتَصَرَّفُ الْعَبْدُ فَقَوْلُهُ وَإِسْقَاطُ الْحَقِّ كَالتَّفْسِيرِ لِقَوْلِهِ فَكُّ الْحَجْرِ (فَلَا يَلْزَمُ) تَفْرِيعٌ عَلَى كَوْنِ تَصَرُّفِ الْعَبْدِ لِنَفْسِهِ بِأَهْلِيَّتِهِ (سَيِّدَهُ عُهْدَتُهُ) أَيْ عُهْدَةُ التَّصَرُّفِ كَمَا إذَا اشْتَرَى شَيْئًا وَلَمْ يُؤَدِّ ثَمَنَهُ يُطْلَبُ مِنْهُ الثَّمَنُ وَلَمْ يَرْجِعْ عَلَى سَيِّدِهِ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى لِنَفْسِهِ لَا لِسَيِّدِهِ وَالْوَكِيلُ عَكْسُ هَذَا إذَا الثَّمَنُ يُطْلَبُ مِنْ الْمُوَكِّلِ لَا مِنْ الْوَكِيلِ.
(وَلَا يَتَوَقَّتُ) الْإِذْنُ بِزَمَانٍ وَلَا مَكَان (فَلَوْ أَذِنَ لَهُ) أَيْ لِلْعَبْدِ (يَوْمًا) وَنَحْوَهُ مِنْ الْيَوْمِ الْمُعَيَّنِ وَاللَّيْلِ وَالشَّهْرِ وَالسَّنَةِ أَوْ مَكَانًا (فَهُوَ مَأْذُونٌ دَائِمًا إلَى أَنْ يُحْجَرَ عَلَيْهِ)؛ لِأَنَّ الْإِسْقَاطَاتِ لَا تَتَوَقَّتُ فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ وِلَايَةُ الْحَجْرِ؛ لِأَنَّ السَّاقِطَ لَا يَعُودُ قُلْت بَقَاءُ وِلَايَةِ الْحَجْرِ بِاعْتِبَارِ بَقَاءِ الرِّقِّ فَكَانَ فِي الْحَجْرِ امْتِنَاعٌ عَنْ الْإِسْقَاطِ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ إلَّا أَنَّ السَّاقِطَ لَا يَعُودُ وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّ تَعَلُّقَ الْإِذْنِ بِالشَّرْطِ جَائِزٌ كَإِضَافَتِهِ إلَى الْمُسْتَقْبَلِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (وَلَا يَتَخَصَّصُ) بِنَوْعٍ مِنْ التِّجَارَةِ (فَإِذَا أُذِنَ فِي نَوْعٍ مِنْ التِّجَارَةِ كَانَ مَأْذُونًا فِي سَائِرِ الْأَنْوَاعِ) حَتَّى لَوْ أُذِنَ بِشِرَاءِ الْخَزِّ وَنُهِيَ عَنْ شِرَاءِ الْبَزِّ كَانَ إذْنًا بِشِرَاءِ الْبَزِّ وَغَيْرِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْعَبْدُ مُهْتَدِيًا إلَى التَّصَرُّفِ فِي غَيْرِ الْخَزِّ وَالسَّيِّدُ عَالِمٌ بِهِ فَإِنْ قُلْت إنَّهُ أَزَالَ الْحَجْرَ فِي حَقِّ تَصَرُّفٍ خَاصٍّ قُلْت نَعَمْ إلَّا أَنَّهُ يُوجِبُ الرِّضَى بِتَعْطِيلِ مَنَافِعِهِ مُطْلَقًا وَالتَّخْصِيصُ لَغْوٌ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ.
وَقَالَ زُفَرُ الْإِذْنُ عِبَارَةٌ عَنْ تَوْكِيلٍ وَإِبَانَةٍ فَيَتَقَيَّدُ بِمَا قَيَّدَ بِهِ الْمَوْلَى وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ.
(وَيَثْبُتُ) الْإِذْنُ (صَرِيحًا) كَمَا إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ أَذِنْت لَك بِالتِّجَارَةَ (وَدَلَالَةً بِأَنْ رَأَى عَبْدَهُ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي فَسَكَتَ) وَلَمْ يَمْنَعْهُ مِنْهُ فَسُكُوتُهُ إذْنٌ لَهُ فِي التِّجَارَةِ بِخِلَافِ سُكُوتِ الْقَاضِي فَإِنَّهُ لَيْسَ بِإِذْنٍ لَكِنْ لَا يَكُونُ مَأْذُونًا فِي ذَلِكَ الشَّيْءِ؛ لِأَنَّهُ وَسِيلَةُ الْإِذْنِ وَوَسِيلَةُ الشَّيْءِ خَارِجٌ عَنْ ذَلِكَ الشَّيْءِ (سَوَاءٌ كَانَ الْبَيْعُ لِلْمَوْلَى أَوْ لِغَيْرِهِ بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ) بَيْعًا (صَحِيحًا أَوْ فَاسِدًا) وَفِي التَّبْيِينِ هَكَذَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَغَيْرُهُ ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوَاهُ إذَا رَأَى عَبْدَهُ يَبِيعُ عَيْنًا مِنْ أَعْيَانِ الْمَالِكِ فَسَكَتَ لَمْ يَكُنْ إذْنًا لَهُ وَكَذَا الْمُرْتَهِنُ إذَا رَأَى الرَّاهِنَ يَبِيعُ الرَّهْنَ فَسَكَتَ لَا يَبْطُلُ الرَّهْنُ انْتَهَى لَكِنْ يُمْكِنْ التَّوْفِيقُ بَيْنَ كَلَامِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَقَاضِي خَانْ بِأَنْ يُقَالَ إنَّ مُرَادَ قَاضِي خَانْ بِقَوْلِهِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إذْنًا لَهُ هُوَ أَنَّ سُكُوتَ الْمَالِكِ فِيمَا إذَا رَأَى عَبْدَهُ يَبِيعُ عَيْنًا مِنْ أَعْيَانِ مَالِ الْمَوْلَى لَا يَصِيرُ إذْنًا فِي حَقِّ ذَلِكَ التَّصَرُّفِ الَّذِي صَادَفَهُ السُّكُوتُ لَا فِي حَقِّ سَائِرِ تَصَرُّفَاتِ ذَلِكَ الْعَبْدِ فِي بَابِ التِّجَارَةِ مُطْلَقًا وَيَرْشُدُ إلَيْهِ قَوْلُهُ وَكَذَا الْمُرْتَهِنُ إلَى آخِرِهِ فَإِنَّ الْمُرَادَ هُنَاكَ عَدَمُ صِحَّةِ التَّصَرُّفِ الَّذِي صَادَفَهُ السُّكُوتُ لَا مَحَالَةَ وَكَذَا يُؤَيِّدُهُ مَا قَالَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ فِي هَذَا الْمَحَلِّ نَقْلًا عَنْ الذَّخِيرَةِ فَإِنَّهُ يَصِيرُ مَأْذُونًا فِيمَا يُسْتَقْبَلُ فَيَصِحُّ تَصَرُّفَاتُهُ فِيهِ لَا فِيمَا يَبِيعُ مِنْ مَالِ سَيِّدِهِ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْإِذْنِ الصَّرِيحِ بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى مِنْ مَالِهِ فَعَلَى هَذَا أَنَّ مَا فِي الدُّرَرِ فِي هَذَا الْمَحَلِّ مَحَلُّ تَأَمُّلٍ تَتَبَّعْ وَعِنْدَ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ لَا يَثْبُتُ الْإِذْنُ بِسُكُوتِ الْمَوْلَى عِنْدَمَا يَرَاهُ يَبِيعُ أَوْ يَشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الرِّضَى وَالسَّخَطَ فَلَا يَثْبُتُ بِالشَّكِّ وَلَنَا أَنَّ الْعَادَةَ قَدْ جَرَتْ بِذَلِكَ لِأَجْلِ دَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ النَّاسِ.
(وَلِلْمَأْذُونِ) خَبَرٌ مُقَدَّمٌ (إذْنًا عَامًا لَا بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ أَوْ) شِرَاءِ (طَعَامِ الْأَكْلِ أَوْ) شِرَاءِ (ثِيَابِ الْكِسْوَةِ) يَعْنِي لِلْعَبْدِ الَّذِي قَالَ لَهُ مَوْلَاهُ قَدْ أَذِنْت لَك فِي التِّجَارَةِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ أَوْ بِشِرَاءِ طَعَامِ الْأَكْلِ أَوْ ثِيَابِ الْكِسْوَةِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ أَيْضًا بِنَوْعٍ مِنْ التِّجَارَةِ (أَنْ يَبِيعَ) مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ (وَيَشْتَرِيَ) لِأَنَّ اللَّفْظَ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ أَنْوَاعِ التِّجَارَةِ وَأَمَّا إذَا أَمَرَهُ بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ كَالطَّعَامِ، وَالسُّكُوتُ لَا يَكُونُ مَأْذُونًا لَهُ؛ لِأَنَّهُ اسْتِخْدَامٌ وَلَوْ صَارَ مَأْذُونًا لَهُ لَتَضَرَّرَ كَمَا فِي شَرْحِ الْكَنْزِ لِلْعَيْنِيِّ.
وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ إذَا قَالَ لَهُ أَذِنْت لَك فِي التِّجَارَةِ أَيْ فِي كُلِّ تِجَارَةٍ أَوْ قَالَ لَهُ اشْتَرِ لِي ثَوْبًا أَوْ بِعْهُ أَوْ قَالَ لَهُ آجِرْ نَفْسَك مِنْ النَّاسِ فَإِنَّهُ صَارَ مَأْذُونًا لِأَنَّهُ أَمْرٌ بِالْعُقُودِ الْمُتَكَرِّرَةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ اشْتَرِ لِي ثَوْبًا لِلْكِسْوَةِ أَوْ آجِرْ نَفْسَك مِنْ فُلَانٍ فِي عَمَلِ كَذَا فَإِنَّهُ لَمْ يَصِرْ مَأْذُونًا لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِعَقْدٍ وَاحِدٍ وَقَدْ صَحَّ أَنْ يَكُونَ اسْتِخْدَامًا فَلَوْ لَمْ يَصِحَّ لِلِاسْتِخْدَامِ صَارَ مَأْذُونًا وَإِنْ أَمَرَهُ بِعَقْدٍ وَاحِدٍ كَمَا إذَا غَصَبَ الْعَبْدُ مَتَاعًا وَأَمَرَهُ السَّيِّدُ أَنْ يَبِيعَهُ فَإِنَّهُ صَارَ مَأْذُونًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ أَنْ يَجْعَلَ اسْتِخْدَامًا لَا لِلسَّيِّدِ وَهَذَا ظَاهِرٌ وَلَا لِلْمَالِكِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ لَهُ وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ يَخْرُجُ جِنْسُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ (وَيُوَكِّلُ بِهِمَا) أَيْ لَهُ التَّوْكِيلُ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ لِأَنَّهُ مِنْ تَوَابِعِ التِّجَارَةِ فَلَعَلَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ مُبَاشَرَةِ الْكُلِّ فَيَحْتَاجُ إلَى مُعِينٍ.
(وَ) لَهُ أَنْ (يُسْلِمَ) أَيْ يَجْعَلَ نَفْسَهُ رَبَّ السَّلَمِ.
(وَ) لَهُ أَنْ (يَقْبَلَ السَّلَمَ) أَيْ يَجْعَلَ نَفْسَهُ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ تَوَابِعِ التِّجَارَةِ.
(وَ) لَهُ أَنْ (يُرْهِنَ وَيَرْتَهِنَ)؛ لِأَنَّهُمَا إيفَاءٌ وَاسْتِيفَاءٌ وَهُمَا مِنْ تَوَابِعِ التِّجَارَةِ (وَيُزَارِعَ) أَيْ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ الْأَرْضَ مُزَارَعَةً وَيَأْخُذَهَا مُزَارَعَةً لِأَنَّهَا مِنْ عَمَلِ التِّجَارَةِ.
(وَ) لَهُ أَنْ (يَشْتَرِيَ بَذْرًا يَزْرَعُهُ)؛ لَأَنْ يَرْبَحَ.
(وَ) لَهُ أَنْ (يُشَارِكَ عِنَانًا)؛ لِأَنَّهُ وَكَالَةٌ وَلَيْسَ أَنْ يُشَارِكَ مُفَاوَضَةً لِأَنَّهَا كَفَالَةٌ.
(وَ) لَهُ أَنْ (يَسْتَأْجِرَ) الْأَجِيرَ وَالْبَيْتَ وَغَيْرَهُمَا (وَيُؤَجِّرَ وَلَوْ) وَصْلِيَّةٌ (نَفْسَهُ) فَإِنَّ إجَارَةَ نَفْسِهِ بَيْعُ مَنَافِعِهِ وَلَيْسَ كَبَيْعِ نَفْسِهِ فَيَمْلِكُ التَّصَرُّفَ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَصَرُّفٌ فِي نَفْسِهِ فَلَا يَنْتَظِمُهُ الْإِذْنُ.
(وَ) لَهُ أَنْ (يُضَارِبَ) أَيْ يَأْخُذَ الْمَالَ مُضَارَبَةً (وَيَدْفَعَ الْمَالَ مُضَارَبَةً)؛ لِأَنَّهُ إنْ دَفَعَ يَكُونُ مُسْتَأْجِرًا وَإِنْ أَخَذَ يَكُونُ مُؤَجِّرًا نَفْسَهُ وَهُمَا مِنْ التِّجَارَةِ.
(وَ) لَهُ أَنْ (يُبْضِعَ) أَيْ يَدْفَعَ الْمَالَ بِضَاعَةً يَعْنِي لَهُ أَنْ يُعْطِيَ رَجُلًا قَدْرَ رَأْسِ الْمَالِ لِيَتَّجِرَ بِهِ وَيَكُونَ الرِّبْحُ لَهُ.
(وَ) لَهُ أَنْ (يُعِيرَ وَ) لَهُ أَنْ (يُقِرَّ بِدَيْنٍ) إذْ لَوْ لَمْ يَجُزْ الْإِقْرَارُ لَمْ يُعَامِلْهُ أَحَدٌ فَيَكُونُ مِنْ لَوَازِمِ الْمُعَامَلَةِ سَوَاءٌ صَدَّقَهُ الْمَوْلَى أَوْ كَذَّبَهُ وَسَوَاءٌ كَانَ مَدْيُونًا أَوْ لَا هَذَا إذَا كَانَ إقْرَارُهُ فِي صِحَّتِهِ وَإِنْ كَانَ فِي الْمَرَضِ قُدِّمَ غُرَمَاءُ الصِّحَّةِ كَمَا فِي الْحُرِّ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ بِدَيْنِ مُعَامَلَةٍ فَقَطْ وَإِذَا أَقَرَّ لِزَوْجَتِهِ وَوَالِدِهِ وَوَلَدِهِ بَطَلَ عِنْدَ الْإِمَامِ خِلَافًا لَهُمَا (الْوَدِيعَةٍ) لِأَنَّ الْإِيدَاعَ وَقَبُولَ الْوَدِيعَةِ مِنْ عَادَةِ التُّجَّارِ فَلَهُ أَنْ يُقِرَّ بِهَا (وَغَصْبٍ)؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الْغَصْبِ مُفَاوَضَةٌ فَيَمْلِكُ الْمَغْصُوبَ بِالضَّمَانِ فَلَهُ أَنْ يُقِرَّ بِهِ.
(وَلَوْ بَاعَ أَوْ اشْتَرَى بِغَبْنٍ فَاحِشٍ جَازَ) عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّ الْمَأْذُونَ مُتَصَرِّفٌ بِأَهْلِيَّةِ نَفْسِهِ كَالْحُرِّ فَيَصِحُّ عَقْدُهُ بِالْفَاحِشِ وَلَوْ نُهِيَ عَنْ الْبَيْعِ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ كَمَا فِي الْمِنَحِ (خِلَافًا لَهُمَا) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْإِذْنِ الِاسْتِرْبَاحُ وَالْعَقْدُ بِالْفَاحِشِ إتْلَافٌ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْإِذْنِ فَلَا يَجُوزُ قَيْدٌ بِالْفَاحِشِ؛ لِأَنَّ بَيْعَهُ وَشِرَاءَهُ بِغَبْنٍ يَسِيرٍ جَائِزٌ بِالِاتِّفَاقِ لِتَعَذُّرِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ.
(وَلَوْ حَابَى) الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ أَيْ بَاعَ شَيْئًا بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ وَالْمُحَابَاةُ الْغَبْنُ بِالرِّضَى (فِي مَرَضِ مَوْتِهِ صَحَّ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمَأْذُونِ (دَيْنٌ) فَيَنْفُذُ وَإِنْ زَادَتْ الْمُحَابَاةُ عَلَى الثُّلُثِ (وَإِنْ كَانَ) عَلَيْهِ دَيْنٌ (فَمِنْ جَمِيعِ مَا بَقِيَ) بَعْدَ الدَّيْنِ يَعْنِي يُؤَدِّي دَيْنَهُ أَوَّلًا فَمَا بَقِيَ يَكُونُ الْمُحَابَاةُ مِنْ جَمِيعِهِ؛ لِأَنَّ الِاقْتِصَارَ فِي الْحُرِّ عَلَى الثُّلُثِ لِحَقِّ الْوَارِثِ وَلَا وَارِثَ لِلْعَبْدِ وَالْمَوْلَى وَإِنْ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْوَارِثِ إلَّا أَنَّهُ رَضِيَ بِسُقُوطِ حَقِّهِ بِالْإِذْنِ فَصَارَ كَالْوَارِثِ إذَا أَسْقَطَ حَقَّهُ مِنْ الثُّلُثَيْنِ.
(وَإِنْ لَمْ يَبْقَ) شَيْءٌ بَعْدَ الدَّيْنِ بِأَنْ كَانَ مُحِيطًا بِمَا فِي يَدِهِ (أَدَّى الْمُشْتَرِي جَمِيعَ الْمُحَابَاةِ أَوْ رَدَّ الْمَبِيعَ) أَيْ يُقَالُ لَهُ أَدِّ جَمِيعَ الْمُحَابَاةِ وَإِلَّا فَأَرْدُدْ الْبَيْعَ كَمَا فِي الْحُرِّ هَذَا إذَا كَانَ الْمَوْلَى صَحِيحًا وَإِنْ مَرِيضًا لَا تَصِحُّ مُحَابَاةُ الْعَبْدِ إلَّا مِنْ ثُلُثِ مَالِ الْمَوْلَى كَتَصَرُّفِ الْمَوْلَى بِنَفْسِهِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (وَلَهُ) أَيْ لِلْمَأْذُونِ (أَنْ يُضَيِّفَ مُعَامِلَهُ) لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِذَلِكَ بَيْنَ التُّجَّارِ لِاسْتِجْلَابِ الْقُلُوبِ.
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَيَتَّخِذَ الضِّيَافَةَ الْيَسِيرَةَ لَا الْكَثِيرَةَ وَذَا بِقَدْرِ الْمَالِ حَتَّى لَوْ كَانَ فِي يَدِهِ عَشْرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ فَبِعَشْرَةٍ يَسِيرَةٌ وَلَوْ عَشْرَةُ دَرَاهِمَ فِي يَدِهِ فَبِدَانَقٍ كَثِيرَةٌ.
(وَ) لَهُ أَنْ (يَحُطَّ مِنْ الثَّمَنِ) قَدْرَ مَا يَحُطُّ التُّجَّارُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ أَنْ يَحُطَّ مِنْ الثَّمَنِ أَكْثَرَهُ مِنْ الْعَادَةِ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ بَعْدَ تَمَامِ الْعَقْدِ (بِعَيْبٍ) أَيْ بِسَبَبِ عَيْبٍ ظَهَرَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ قُيِّدَ بِالْعَيْبِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحُطُّ بِدُونِهِ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ.
(وَ) لَهُ أَنْ (يَأْذَنَ لِرَقِيقِهِ فِي التِّجَارَةِ) لِأَنَّهُ نَوْعُ تِجَارَةٍ وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ التِّجَارَةِ يَصِحُّ إذْنُهُ لِلْعَبْدِ فِيهَا كَالْمُكَاتَبِ وَالْمَأْذُونِ وَالْمُضَارِبِ وَالْأَبِ وَالْجَدِّ وَالْقَاضِي وَشَرِيكَيْ الْمُفَاوَضَةِ وَالْعِنَانِ وَالْوَصِيِّ وَلَا يَجُوزُ لِلْأُمِّ وَالْأَخِ وَالْعَمِّ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسَ لَهُمْ وِلَايَةُ التِّجَارَةِ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ (لَا أَنْ يَتَزَوَّجَ) أَيْ لَيْسَ لِلْمَأْذُونِ أَنْ يَتَزَوَّجَ إلَّا بِإِذْنِ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ وَلَا أَنْ يَتَسَرَّى جَارِيَةً اشْتَرَاهَا وَإِنْ أَذِنَ لَهُ مَوْلَاهُ كَمَا فِي جَوَاهِرِ الْفِقْهِ (أَوْ يُزَوِّجَ عَبْدَهُ)؛ لِأَنَّ التَّزْوِيجَ لَيْسَ بِتِجَارَةٍ فَلَا وِلَايَةَ لَهُ فِي ذَلِكَ إلَّا بِإِذْنِ الْمَوْلَى.
(وَكَذَا) لَا يُزَوِّجُ (أَمَتَهُ) عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) فَإِنَّ عِنْدَهُ يُزَوِّجُ الْأَمَةَ دُونَ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ تَزْوِيجَهَا تَحْصِيلُ مَالٍ بِإِسْقَاطِ النَّفَقَةِ وَإِيجَابِ الْمَهْرِ فَيَصِيرُ كَإِجَارَتِهَا وَلَهُمَا أَنَّ الْإِذْنَ لَا يَتَنَاوَلُ غَيْرَ التِّجَارَةِ وَقَدْ مَرَّ أَنَّ التَّزْوِيجَ لَيْسَ مِنْهَا (وَلَا أَنْ يُكَاتِبَ) رَقِيقَهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتِجَارَةٍ إذْ هِيَ مُبَادَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ وَبَدَلُ الْكِتَابَةِ مُقَابَلٌ بِفَكِّ الْحَجْرِ وَهُوَ لَيْسَ بِمَالٍ (أَوْ يُعْتِقَ وَلَوْ) وَصْلِيَّةٌ (بِمَالٍ)؛ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ فَوْقَ الْكِتَابَةِ فَإِذَا لَمْ يَمْلِكْ هَذَا لَا يَمْلِكْ الْأَعْلَى وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِحُرٍّ فَلَا يَمْلِكُ التَّحْرِيرَ وَهَذَا إذَا لَمْ يُجِزْ الْمَوْلَى فَإِنْ أَجَازَ وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ جَازَ وَكَذَا إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ عِنْدَهُمَا لَكِنْ ضَمِنَ قِيمَةَ الْعَبْدِ لِلْغُرَمَاءِ (أَوْ يُقْرِضَ) أَيْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُقْرِضَ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ ابْتِدَاءً (أَوْ يَهَبَ وَلَوْ) وَصْلِيَّةٌ (بِعِوَضٍ)؛ لِأَنَّهَا مِنْ التَّبَرُّعَاتِ (أَوْ يُهْدِيَ) أَيْ لَيْسَ لَهُ الْإِهْدَاءُ (إلَّا) إهْدَاءُ الشَّيْءِ (الْيَسِيرِ مِنْ الطَّعَامِ) كَالرَّغِيفِ وَنَحْوِهِ لِاسْتِجْلَابِ الْقُلُوبِ لَا الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ (وَالْمَحْجُورُ لَا يُهْدِي الْيَسِيرَ أَيْضًا) لِعَدَمِ الْإِذْنِ (وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا دَفَعَ الْمَوْلَى إلَى) الْعَبْدِ (الْمَحْجُورِ قُوتَ يَوْمِهِ فَدَعَا بَعْضَ رُفَقَائِهِ) عَلَى ذَلِكَ الطَّعَامِ (لِلْأَكْلِ مَعَهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ) لِعَدَمِ ظُهُورِ الضَّرَرِ عَلَى الْمَوْلَى (بِخِلَافِ مَا لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ (قُوتَ شَهْرٍ) لِمَا فِي أَكْلِهِمْ حِينَئِذٍ ضَرَرٌ بَيِّنٌ لِلْمَوْلَى (قَالُوا وَلَا بَأْسَ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَتَصَدَّقَ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا بِالْيَسِيرِ كَالرَّغِيفِ وَنَحْوِهِ) بِدُونِ اسْتِطْلَاعِ رَأْيِ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَمْنُوعَةٍ مِنْ قِبَلِهِ عَادَةً وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَيْسَتْ مِنْ مَسَائِلِ هَذَا الْبَابِ فَيَكُونُ ذِكْرُهَا لِمُنَاسِبَةٍ هِيَ كَوْنُهَا مَأْذُونَةً عَادَةً وَفِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ وَالْأَبُ وَالْوَصِيُّ لَا يَمْلِكَانِ فِي مَالِ الصَّغِيرِ مَا يَمْلِكُهُ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ مِنْ اتِّخَاذِ الضِّيَافَةِ الْيَسِيرَةِ وَالصَّدَقَةِ.
(وَمَا لَزِمَ الْمَأْذُونُ مِنْ الدَّيْنِ بِسَبَبِ تِجَارَةٍ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهَا) أَيْ فِي حُكْمِ التِّجَارَةِ (كَبَيْعٍ وَشِرَاءٍ) نَظِيرٌ لِلتِّجَارَةِ قِيلَ صُورَةُ وُجُوبِ الدَّيْنِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ أَنْ يَبِيعَ وَيَسْتَحِقَّ الْمَبِيعَ وَيَهْلَكَ الثَّمَنُ فِي يَدِهِ (وَإِجَارَةٍ وَاسْتِئْجَارٍ وَغَصْبٍ وَجَحْدِ أَمَانَةٍ وَعُقْرِ أَمَةٍ شَرَاهَا فَوَطِئَهَا فَاسْتُحِقَّتْ) نَظِيرٌ لِمَا هُوَ فِي مَعْنَى التِّجَارَةِ قِيلَ صُورَةُ وُجُوبِ الدَّيْنِ بِالْإِجَارَةِ أَنْ يَأْخُذَ الْمَأْذُونُ الْأُجْرَةَ مُعَجَّلًا ثُمَّ يَهْلَكَ الْمُسْتَأْجِرُ أَوْ يُسْتَحَقَّ قَبْلَ تَمَامِ الْمُدَّةِ (يَتَعَلَّقُ) ذَلِكَ الدَّيْنُ (بِرَقَبَتِهِ) أَيْ الْمَأْذُونِ وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ لَوْ بَاعَ مَوْلَاهُ بَعْدَ الدَّيْنِ كَانَ بَاطِلًا فَقِيلَ مَعْنَاهُ سَيَبْطُلُ؛ لِأَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ الْغُرَمَاءِ وَقِيلَ إنَّهُ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْقَبْضِ يَصِحُّ وَلَزِمَهُ قِيمَتُهُ فَلَا يَكُونُ مَوْقُوفًا كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (فَيُبَاعُ) فِيهِ أَيْ يَبِيعُ الْقَاضِي الْمَأْذُونَ مَرَّةً فِي ذَلِكَ الدَّيْنِ بِطَلَبِ الْغُرَمَاءِ بِحَضْرَةِ مَوْلَاهُ أَوْ نَائِبِهِ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ بِذَلِكَ مَوْلَاهُ (إنْ لَمْ يَفْدِهِ) أَيْ الدَّيْنِ (الْمَوْلَى) وَقَالَ زُفَرُ يَتَعَلَّقُ بِالْكَسْبِ لَا بِالرَّقَبَةِ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِي التِّجَارَةِ لَا فِي التَّصَرُّفِ فِي رَقَبَتِهِ لِأَنَّ غَرَضَ الْمَوْلَى مِنْ إذْنِهِ تَحْصِيلُ مَالٍ لَمْ يَكُنْ لَا تَفْوِيتُ مَالٍ قَدْ كَانَ بِخِلَافِ دَيْنِ الِاسْتِهْلَاكِ فَإِنَّهُ يُبَاعُ فِيهِ لِجِنَايَةٍ لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِالْإِذْنِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَعَنْ أَحْمَدَ يَتَعَلَّقُ بِذِمَّةِ مَوْلَاهُ وَلَنَا أَنَّهُ ظَاهِرٌ فِي الْمَوْلَى بِسَبَبِ الْإِذْنِ وَكُلُّ دَيْنٍ يَظْهَرُ فِي حَقِّهِ فَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِالرَّقَبَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مَحَلٍّ يُسْتَوْفَى مِنْهُ وَأَقْرَبُ الْمَحَالِّ إلَيْهِ نَفْسُهُ فَصَارَ كَدَيْنِ الِاسْتِهْلَاكِ وَالْجَامِعُ دَفْعُ ضَرَرِ النَّاسِ (وَيَقْسِمُ) الْقَاضِي (ثَمَنَهُ) أَيْ ثَمَنَ الْعَبْدِ (وَمَا فِي يَدِهِ) أَيْ يَدِ الْمَأْذُونِ (مِنْ كَسْبِهِ) بَيْنَ الْغُرَمَاءِ (بِالْحِصَصِ) أَيْ بِمِقْدَارِ نَصِيبِ دَيْنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ دُيُونَهُمْ مُتَعَلِّقَةٌ بِرَقَبَتِهِ فَيَتَحَاصَصُونَ فِي الِاسْتِيفَاءِ مِنْ الْبَدَلِ كَمَا فِي التَّرِكَةِ (سَوَاءٌ) كَانَ (كَسْبُهُ) أَيْ كَسْبُ الْمَأْذُونِ مَا فِي يَدِهِ (قَبْلَ الدَّيْنِ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ اتَّهَبَهُ) وَحَاصِلُهُ سَوَاءٌ كَانَ كَسْبُهُ قَبْلَ الدَّيْنِ أَوْ بَعْدَهُ بِالْمُبَايَعَةِ أَوْ بِقَبُولِ الْهِبَةِ وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ حُضُورُ الْمَأْذُونِ فِي بَيْعِ كَسْبِهِ؛ لِأَنَّهُ الْخَصْمُ فِيهِ وَلَا يُشْتَرَطُ رِضَاهُ وَلَا حُضُورُ مَوْلَاهُ (وَمَا بَقِيَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْعَبْدِ مِنْ الدَّيْنِ بَعْدَهُ مَا اقْتَسَمَ الْغُرَمَاءُ ثَمَنَهُ (يُطَالَبُ بِهِ بَعْدَ عِتْقِهِ) وَلَا يُطَالَبُ بِهِ لِلْحَالِ إذْ لَهُمْ الْخِيَارُ فِي الْقَلِيلِ الْعَاجِلِ بِالْبَيْعِ وَالْكَثِيرِ الْآجِلِ بِالسِّعَايَةِ لَا فِي الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا وَلَا فِي الطَّلَبِ مِنْ الْمَوْلَى لِانْقِطَاعِ تَعَلُّقِهِ بِهِ (وَمَا أَخَذَهُ سَيِّدُهُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ كَسْبِهِ (قَبْلَ) ظُهُورِ (الدَّيْنِ لَا يُسْتَرَدُّ)؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ حِينَ كَانَ فَارِغًا عَنْ حَاجَةِ الْعَبْدِ فَخَلَصَ لَهُ بِمُجَرَّدِ الْقَبْضِ (وَلَهُ) أَيْ لِلْمَوْلَى (أَخْذُ غَلَّةِ) أَيْ أُجْرَةِ (مِثْلِهِ مَعَ وُجُودِ الدَّيْنِ) يَعْنِي لَوْ كَانَ الْمَوْلَى يَأْخُذُ مِنْ الْعَبْدِ كُلَّ شَهْرٍ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ مَثَلًا قَبْلَ لُحُوقِ الدَّيْنِ يَكُونُ لَهُ أَخْذُ غَلَّةٍ بَعْدَ وُجُودِ الدَّيْنِ مِثْلُ مَا أَخَذَهُ قَبْلَ الدَّيْنِ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَأْخُذَ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الْمَوْلَى فِي الْكَسْبِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ فِي أَخْذِهِ الْغَلَّةَ مَنْفَعَةٌ لِلْغُرَمَاءِ فَإِنَّهُ يُتْرَكُ عَلَى حَالِهِ لِأَجْلِ مَا يَحْصُلُ لَهُ مِنْ الْمَنْفَعَةِ وَلَوْ لَمْ يَأْخُذْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ فَيَنْسَدُّ عَلَيْهِمْ بَابُ الِاكْتِسَابِ (وَالزَّائِدُ عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى غَلَّةِ مِثْلِهِ (لِلْغُرَمَاءِ) لِعَدَمِ ضَرُورَةٍ فِيهِ وَتَقَدُّمِ حَقِّهِمْ.
(وَيَنْحَجِرُ الْمَأْذُونُ) غَيْرُ الْمُدَبَّرِ (إنْ أَبَقَ) لِأَنَّ الْإِبَاقَ يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الْإِذْنِ عِنْدَنَا عَلَى مَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ وَكَذَا يَمْنَعُ بَقَاءَهُ فَلَا يَلْزَمُ شَيْءٌ مِنْ تَصَرُّفَاتِهِ كَالْبَيْعِ وَعِنْدَ زُفَرَ وَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ يَبْقَى مَأْذُونًا؛ لِأَنَّ الْإِبَاقَ لَا يُنَافِي ابْتِدَاءَ الْإِذْنِ فَلَا يُنَافِي دَوَامَهُ وَهَلْ يَعُودُ الْإِذْنُ إنْ عَادَ مِنْ الْإِبَاقِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَعُودُ.
وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ لَوْ أَذِنَ الْآبِقُ لَمْ يَصِحَّ الْإِذْنُ لَكِنْ فِي الْهِدَايَةِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ قَدْ صَحَّ إذْنُهُ كَإِذْنِ الْعَبْدِ الْمَغْصُوبِ فَإِنَّهُ قَدْ صَحَّ إلَّا أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ إذْنُهُ بِهِ وَفَصَّلَ فِي الذَّخِيرَةِ بِأَنَّهُ إنْ أَقَرَّ الْغَاصِبُ أَوْ كَانَ لِلْمَالِكِ بَيِّنَةٌ عَادِلَةٌ فَقَدْ صَحَّ الْإِذْنُ وَإِلَّا فَلَا (أَوْ مَاتَ سَيِّدُهُ أَوْ جُنَّ مُطْبَقًا أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ) حَالَ كَوْنِهِ (مُرْتَدًّا) عَلِمَ الْعَبْدُ بِذَلِكَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ أَمَّا الْمَوْتُ فَلِأَنَّهُ يُزِيلُ الْمِلْكَ وَأَمَّا الْجُنُونُ فَلِأَنَّهُ يُزِيلُ الْأَهْلِيَّةَ وَأَمَّا اللَّحَاقُ فَلِأَنَّهُ مَوْتٌ حُكْمًا (أَوْ حُجِرَ عَلَيْهِ) أَيْ يَصِيرُ مَحْجُورًا إنْ حَجَرَ الْمَوْلَى عَلَيْهِ بِأَنْ قَالَ حَجَرْتُك عَنْ التَّصَرُّفِ أَوْ بِإِيصَالِ خَبَرِ الْحَجْرِ إلَيْهِ بِشَرْطِ أَنْ يَعْلَمَ الْمَأْذُونُ حَجْرَ نَفْسِهِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الضَّرَرِ هُوَ قَضَاءُ الدَّيْنِ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ (وَعَلِمَ بِهِ أَكْثَرُ أَهْلُ سُوقِهِ) أَيْ سُوقِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الْأَكْثَرَ قَائِمٌ مَقَامَ الْكُلِّ هَذَا إذَا كَانَ الْإِذْنُ شَائِعًا أَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْهُ إلَّا الْعَبْدُ فَيَكْفِي عِلْمُهُ حَجْرَهُ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ حَجْرُهُ صَحِيحٌ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ سُوقِهِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ.
(وَ) تَنْحَجِرُ (الْأَمَةُ) الْمَأْذُونَةُ (إنْ اسْتَوْلَدَهَا سَيِّدُهَا) عِنْدَنَا اسْتِحْسَانًا لِأَنَّهُ يَمْنَعُ عَنْ أَنْ تَخْرُجَ إلَى النَّاسِ لِتُعَامِلَ مَعَهُمْ فَيَكُونُ الِاسْتِيلَادُ إحْصَانًا دَالًّا عَلَى الْحَجْرِ عَادَةً إلَّا إذَا أَذِنَهَا صَرِيحًا وَهُوَ يَتَفَوَّقُ دَلَالَةً.
وَقَالَ زُفَرُ لَا يَصِيرُ مَحْجُورًا عَلَيْهَا اعْتِبَارًا لِلْبَقَاءِ بِالِابْتِدَاءِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَأْذَنَ لِأُمِّ وَلَدِهِ وَالْبَقَاءُ أَسْهَلُ وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ (لَا) تَنْحَجِرُ الْأَمَةُ الْمَأْذُونُ (إنْ دَبَّرَهَا) الْمَوْلَى وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ لِانْعِدَامِ دَلَالَةِ الْحَجْرِ (وَيَضْمَنُ) الْمَوْلَى (الْقِيمَةَ فَقَطْ لِلْغَرِيمِ فِيهِمَا) أَيْ فِي الِاسْتِيلَادِ وَالتَّدْبِيرِ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ بِهِمَا مَحَلًّا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغُرَمَاءِ وَهُوَ الرَّقَبَةُ الْمَحْبُوسَةُ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ بِفِعْلِهِ امْتَنَعَ بَيْعُهُمَا وَبِالْبَيْعِ يَقْضِي حَقَّهُمْ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لَا يَضْمَنُ.
(وَإِقْرَارُهُ) أَيْ الْمَأْذُونِ وَهُوَ رَفْعٌ بِالِابْتِدَاءِ (بَعْدَ الْحَجْرِ بِدَيْنٍ أَوْ بِأَنَّ مَا فِي يَدِهِ أَمَانَةٌ) لِغَيْرِهِ (أَوْ غَصْبٌ) مِنْهُ (صَحِيحٌ) فَيَقْضِي مِمَّا فِي يَدِهِ لَا مِنْ رَقَبَتِهِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ كَسْبِهِ بَلْ مِنْ كَسْبِ مَوْلَاهُ هَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ (خِلَافًا لَهُمَا) فَإِنَّهُمَا قَالَا لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّ الْمُصَحِّحَ هُوَ الْإِذْنُ وَقَدْ زَالَ وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْمُصَحِّحَ هُوَ الْيَدُ وَهِيَ بَاقِيَةٌ حَقِيقَةً وَبُطْلَانُ الْيَدِ حُكْمًا بِالْحَجْرِ فَرَاغُ مَا فِي يَدِهِ مِنْ الْإِكْسَابِ عَنْ حَاجَتِهِ وَإِقْرَارُهُ دَلِيلٌ عَلَى تَحَقُّقِهَا.
(وَإِنْ اسْتَغْرَقَ دَيْنُهُ) أَيْ دَيْنُ الْمَأْذُونِ (رَقَبَتَهُ مَا فِي يَدِهِ لَا يَمْلِكُ سَيِّدُهُ مَا فِي يَدِهِ) مِنْ اكْتِسَابِهِ عِنْدَ الْإِمَامِ ثُمَّ فَرَّعَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ (فَلَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا مِمَّا فِي يَدِهِ لَا يَصِحُّ) عِنْدَ الْإِمَامِ (وَعِنْدَهُمَا) وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ (يَمْلِكُ) السَّيِّدُ مَا فِي يَدِهِ (فَيَصِحُّ عِتْقُهُ) فِي عَبْدِهِ وَيَغْرَمُ قِيمَتَهُ لِلْغُرَمَاءِ لِوُجُودِ سَبَبِ الْمِلْكِ فِي كَسْبِهِ وَهُوَ كَوْنُهُ مَالِكًا لِرَقَبَتِهِ وَلِهَذَا يَحِلُّ وَطْءُ الْمَأْذُونَةِ وَلَهُ أَنَّ مِلْكَ الْمَوْلَى إنَّمَا يَثْبُتُ خِلَافَةً عَنْ الْعَبْدِ عِنْدَ فَرَاغِهِ عَنْ حَاجَتِهِ وَالْمُحِيطُ بِهِ الدَّيْنُ مَشْغُولٌ بِهَا فَلَا يَخْلُفُهُ فِيهِ وَالْعِتْقُ وَعَدَمُهُ فَرْعُ ثُبُوتِ الْمِلْكِ وَعَدَمِهِ.
وَقَالَ صَاحِبُ الْمِنَحِ وَلَوْ اشْتَرَى ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الْمَوْلَى لَمْ يُعْتَقْ وَلَوْ كَانَ الْمَوْلَى يَمْلِكُ مَا مَعَهُ لَعَتَقَ وَلَوْ أَتْلَفَ الْمَوْلَى مَا فِي يَدِهِ مِنْ الرَّقِيقِ ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَا لَا يَمْلِكُهُ وَلَوْ كَانَ الْمَوْلَى يَمْلِكُ مَا مَعَهُ لَمْ يَضْمَنْ.
(وَإِنْ لَمْ يَسْتَغْرِقْ) دَيْنُهُ رَقَبَتَهُ (صَحَّ) إعْتَاقُ عَبْدِهِ (اتِّفَاقًا) أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ وَأَمَّا عِنْدَهُ فَلِأَنَّهُ لَا يَعْرَى عَنْ دَيْنٍ قَلِيلٍ فَلَوْ جُعِلَ مَانِعًا لَا يَبْقَى الِانْتِفَاعُ بِكَسْبِهِ فَيَفُوتُ الْغَرَضُ مِنْ الْإِذْنِ (وَيَصِحُّ بَيْعُهُ) أَيْ بَيْعُ هَذَا الْمَأْذُونِ (مِنْ سَيِّدِهِ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ) أَوْ أَكْثَرَ؛ لِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ فِي الْبَيْعِ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ فَيَصِحُّ (لَا) يَصِحُّ بَيْعُهُ (بِأَقَلَّ) مِنْ الْقِيمَةِ وَلَوْ يَسِيرًا لِأَنَّ حَقَّ الْغُرَمَاءِ تَعَلَّقَ بِالْمَالِيَّةِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُبْطِلَ حَقَّهُمْ أَمَّا لَوْ كَانَ دَيْنُهُ أَقَلَّ بِحَيْثُ لَا يُحِيطُ فَجَازَ بَيْعُهُ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ لِعَدَمِ تَعَلُّقِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ.
وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَهَذَا عِنْدَهُ وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَيَبِيعُ مِنْ سَيِّدِهِ مُطْلَقًا إلَّا أَنَّ السَّيِّدَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ إزَالَةِ الْغَبْنِ وَبَيْنَ نَقْضِ الْبَيْعِ وَيَبِيعُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ بِالْغَبْنِ الْيَسِيرِ لَا الْفَاحِشِ وَقِيلَ الصَّحِيحُ أَنَّ قَوْلَهُ كَقَوْلِهِمَا كَمَا فِي الْكَافِي.
(وَ) يَصِحُّ (بَيْعُ سَيِّدِهِ مِنْهُ) أَيْ مِنْ هَذَا الْمَأْذُونِ (بِمِثْلِهَا) أَيْ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ وَبِالْأَقَلِّ مِنْهَا لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى أَجْنَبِيٌّ عَنْ كَسْبِ عَبْدِهِ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَالْكَلَامُ فِيهِ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ كَسْبَهُ فَيَخْرُجُ الْمَبِيعُ عَنْ مِلْكِهِ فَيَصِحُّ كَمَا فِي الْأَجْنَبِيِّ وَعِنْدَهُمَا جَوَازُ الْبَيْعِ يَعْتَمِدُ عَلَى الْفَائِدَةِ وَقَدْ وُجِدَتْ فَإِنَّ الْمَوْلَى يَسْتَحِقُّ أَخْذَ الثَّمَنِ وَالْعَبْدِ الْمَبِيعِ فَثَبَتَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا قَبْلَ ذَلِكَ فَأَفَادَ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (لَا) يَصِحُّ (بِأَكْثَرَ)؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ الْغُرَمَاءِ (فَلَوْ بَاعَ) الْمَوْلَى مِنْهُ (بِأَكْثَرَ) مِنْ قِيمَةِ الْمِثْلِ (يَحُطُّ) الْمَوْلَى (الزَّائِدَ) عَنْ الْقِيمَةِ (أَوْ يَنْقُصُ الْبَيْعُ صِيَانَةً لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ) كَمَا فِي الْمَبْسُوطِ بِلَا ذِكْرِ الْخِلَافِ لَكِنْ فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ عِنْدَهُمَا وَأَمَّا عِنْدَهُ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ وَإِنْ أَسْقَطَ الْمُحَابَاةَ وَكَانَ الْغَبْنُ يَسِيرًا كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (فَإِنْ سَلَّمَ سَيِّدُهُ إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْعَبْدِ (الْمَبِيعَ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ سَقَطَ) عَنْ ذِمَّةِ هَذَا الْمَأْذُونِ (الثَّمَنُ) أَيْ ثَمَنُ مَبِيعٍ بَاعَهُ سَيِّدُهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَمَّا سَلَّمَ الْمَبِيعَ فَقَدْ أَبْطَلَ حَقَّهُ مِنْ الْعَيْنِ فَلَمْ يَبْقَ لَهُ حَقٌّ إلَّا فِي الدَّيْنِ مَعَ أَنَّ الْمَوْلَى لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنًا فَيَبْطُلُ الثَّمَنُ أَيْضًا فَيَخْرُجُ مَجَّانًا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الثَّمَنُ عَرَضًا حَيْثُ يَكُونُ الْمَوْلَى أَحَقَّ بِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ؛ لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ بِالْعَيْنِ بِالْعَقْدِ فَمَلَكَهُ بِهِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا تَعَلَّقَ حَقُّهُ بِعَيْنِهِ فَكَانَ أَحَقَّ بِهِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ الْعَبْدُ مِنْ سَيِّدِهِ فَسَلَّمَ إلَيْهِ الْمَبِيعَ قَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ حَيْثُ لَا يَسْقُطُ الثَّمَنُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ لِلْمَوْلَى أَنْ يَسْتَرِدَّ الْمَبِيعَ إنْ كَانَ قَائِمًا فِي يَدِ الْعَبْدِ وَيَحْبِسُهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ (وَلَهُ) أَيْ لِلْمَوْلَى (أَنْ لَا يُسَلِّمَهُ) أَيْ الْمَبِيعَ (حَتَّى يَأْخُذَ ثَمَنَهُ) لِأَنَّ الْبَيْعَ لَا يُزِيلُ مِلْكَ الْيَدِ مَا لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ الثَّمَنُ فَيَبْقَى لِلْمَوْلَى عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ وَلِذَا يَكُونُ أَخَصَّ مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ (وَيَضْمَنُ السَّيِّدُ) لِلْغُرَمَاءِ (بِإِعْتَاقِهِ) الْعَبْدَ (الْمَأْذُونَ) حَالَ كَوْنِهِ (مَدْيُونًا الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ) أَيْ الْعَبْدِ (وَمِنْ الدَّيْنِ) أَيْ إنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْمَأْذُونِ أَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ ضَمِنَ سَيِّدُهُ لِلْغُرَمَاءِ الْقِيمَةَ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِمْ بِرَقَبَتِهِ وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ أَقَلَّ مِنْ الْقِيمَةِ ضَمِنَ الدَّيْنَ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْغُرَمَاءِ لَيْسَ إلَّا فِيهِ وَقَدْ وَصَلُوا إلَيْهِ وَصَارَ هَذَا كَمَا لَوْ أَعْتَقَ الرَّاهِنُ الْمَرْهُونَ (وَمَا زَادَ مِنْ دَيْنِهِ عَلَى قِيمَتِهِ طُولِبَ بِهِ مُعْتَقًا) أَيْ لِلْغُرَمَاءِ أَنْ يُطَالِبُوهُ بَعْدَ عِتْقِهِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ مُسْتَقِرٌّ فِي ذِمَّتِهِ لِوُجُوبِ سَبَبِهِ وَالْمَوْلَى لَمْ يُتْلِفْ إلَّا قَدْرَ الْقِيمَةِ فَبَقِيَ الْبَاقِي عَلَيْهِ كَمَا كَانَ فَيَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ وَعِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ يُؤْخَذُ مِنْ كَسْبِهِ وَإِلَّا طُولِبَ بَعْدَ عِتْقِهِ قِيلَ الْغُرَمَاءُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءُوا اتَّبَعُوا الْمُعْتَقَ بِالدَّيْنِ وَإِنْ شَاءُوا اتَّبَعُوا الْمَوْلَى بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ.
(وَإِنْ بَاعَهُ) الْمَوْلَى (وَهُوَ) أَيْ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ (مَدْيُونٌ مُسْتَغْرِقٌ) بِرَقَبَتِهِ (وَغَيَّبَهُ مُشْتَرِيهِ) أَيْ جَعَلَهُ الْمُشْتَرِي بَعْدَ قَبْضِهِ غَائِبًا (فَلِلْغُرَمَاءِ إجَازَةُ بَيْعِهِ وَأَخْذُ ثَمَنِهِ) أَيْ إنْ شَاءَ الْغُرَمَاءُ أَجَازُوا الْبَيْعَ وَأَخَذُوا ثَمَنَ الْعَبْدِ وَحِينَئِذٍ لَا يُضَمِّنُونَ أَحَدًا الْقِيمَةَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ وَالْإِجَازَةُ اللَّاحِقَةُ كَالْإِذْنِ السَّابِقِ (أَوْ تَضْمِينُ أَيٍّ شَاءُوا مِنْ السَّيِّدِ أَوْ الْمُشْتَرِي قِيمَتَهُ) أَيْ قِيمَةَ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِبَيْعِهِ وَتَسْلِيمِهِ إلَى الْمُشْتَرِي وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ وَغَيَّبَهُ؛ لِأَنَّ الْغُرَمَاءَ إذَا قَدَرُوا عَلَى الْعَبْدِ كَانَ لَهُمْ أَنْ يُبْطِلُوا الْبَيْعَ إلَّا أَنْ يَقْضِيَ الْمَوْلَى دُيُونَهُمْ (فَإِنْ ضَمَّنُوا السَّيِّدَ) أَيْ إنْ اخْتَارُوا تَضْمِينَ قِيمَتِهِ إيَّاهُ (ثُمَّ رُدَّ عَلَيْهِ) أَيْ رَدَّ الْمُشْتَرِي الْعَبْدَ عَلَى الْبَائِعِ بِقَضَاءٍ (بِعَيْبٍ) أَيْ بِسَبَبِ عَيْبٍ بَعْدَمَا ضَمَّنَهُ الْغُرَمَاءُ قِيمَتَهُ (رَجَعَ) الْمَوْلَى (عَلَيْهِمْ) أَيْ عَلَى الْغُرَمَاءِ (بِالْقِيمَةِ وَعَادَ حَقُّهُمْ) أَيْ الْغُرَمَاءِ (فِي الْعَبْدِ) لِأَنَّ سَبَبَ الضَّمَانِ قَدْ زَالَ وَهُوَ الْبَيْعُ وَالتَّسْلِيمُ هَذَا إذَا رَدَّهُ عَلَيْهِ قَبْلَ الْقَبْضِ مُطْلَقًا أَوْ بَعْدَهُ بِقَضَاءٍ؛ لِأَنَّهُ فَسْخٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَكَذَا إذَا رَدَّهُ عَلَيْهِ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ أَوْ الشَّرْطِ وَإِنْ رَدَّهُ بِالْعَيْبِ بَعْدَ الْقَبْضِ بِغَيْرِ قَضَاءٍ فَلَا سَبِيلَ لِلْغُرَمَاءِ عَلَى الْعَبْدِ وَلَا لِلْمَوْلَى عَلَى الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ بِالتَّرَاضِي إقَالَةٌ وَهِيَ بَيْعٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا وَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ مِنْ دَيْنِهِمْ رَجَعُوا بِهِ عَلَى الْعَبْدِ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ.
(وَإِنْ بَاعَهُ) الْمَوْلَى (وَ) الْحَالُ أَنَّهُ قَدْ (أَعْلَمَ) الْمُشْتَرِيَ (بِكَوْنِهِ مَدْيُونًا فَلِلْغُرَمَاءِ رَدُّ الْبَيْعِ إنْ لَمْ يَصِلْ ثَمَنُهُ إلَيْهِمْ)؛ لِأَنَّ حَقَّهُمْ تَعَلَّقَ بِهِ وَهُوَ حَقُّ الِاسْتِسْعَاءِ أَوْ الِاسْتِيفَاءِ مِنْ رَقَبَتِهِ وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا فَائِدَةٌ فَالْأَوَّلُ تَامٌّ مُؤَخَّرٌ وَالثَّانِي نَاقِصٌ مُعَجَّلٌ وَبِالْبَيْعِ تَفُوتُ هَذِهِ الْخِيرَةُ فَلِهَذَا لَهُمْ أَنْ يَرُدُّوهُ.
(وَإِنْ وَصَلَ) ثَمَنُهُ إلَيْهِمْ (وَلَا مُحَابَاةَ فِي الْبَيْعِ فَلَا) أَيْ فَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَرُدُّوهُ لِوُصُولِ حَقِّهِمْ إلَيْهِمْ فَيَنْفُذُ الْبَيْعُ لِزَوَالِ الْمَانِعِ هَذَا إذَا كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا وَكَانَ الْبَيْعُ مِنْ غَيْرِ طَلَبِ الْغُرَمَاءِ وَالثَّمَنُ لَا يَفِي بِدَيْنِهِمْ فَأَمَّا إذَا كَانَ دَيْنُهُمْ مُؤَجَّلًا فَالْبَيْعُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ بَاعَ مِلْكَهُ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى تَسْلِيمِهِ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقٌّ لِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْغُرَمَاءِ مُتَأَخِّرٌ وَكَذَا إذَا كَانَ الْبَيْعُ بِطَلَبِهِمْ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ وَقَعَ لِأَجْلِهِمْ وَكَذَا إذَا كَانَ الثَّمَنُ يَفِي بِدَيْنِهِمْ (فَإِنْ غَابَ الْبَائِعُ) بَعْدَ بَيْعِ الْمَوْلَى الْمَأْذُونِ وَقَبْضِ الْمُشْتَرِي (فَالْمُشْتَرِي لَيْسَ خَصْمًا لَهُمْ إنْ أَنْكَرَ) الْمُشْتَرِي (الدَّيْنَ) عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ هُوَ خَصْمٌ وَيَقْضِي لَهُمْ بِالدَّيْنِ)؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الْمِلْكَ لِنَفْسِهِ فَيَكُونُ خَصْمًا لِكُلِّ مَنْ يُنَازِعُهُ وَلَهُمَا أَنَّ الدَّعْوَى تَتَضَمَّنُ فَسْخَ الْعَقْدِ وَقَدْ قَامَ بِهِمَا فَيَكُونُ الْفَسْخُ قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا اشْتَرَى دَارًا وَوَهَبَهَا وَسَلَّمَهَا وَغَابَ ثُمَّ حَضَرَ الشَّفِيعُ فَالْمَوْهُوبُ لَهُ لَيْسَ بِخَصْمٍ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لَهُ وَأَمَّا إذَا كَانَ الْبَائِعُ حَاضِرًا وَالْمُشْتَرِي غَائِبًا فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ إجْمَاعًا.
(وَمَنْ قَالَ) عِنْدَ قُدُومِهِ مِصْرًا (أَنَا عَبْدُ فُلَانٍ فَاشْتَرَى وَبَاعَ) سَاكِتًا عَنْ إذْنِهِ وَحَجْرِهِ أَوْ سَاكِتًا (فَحُكْمُهُ كَالْمَأْذُونِ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ أُمُورَ الْمُسْلِمِينَ مَحْمُولَةٌ عَلَى الصَّلَاحِ وَالْجَوَازُ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْإِذْنِ فَوَجَبَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّ الْعَمَلَ بِالظَّاهِرِ هُوَ الْأَصْلُ فِي الْمُعَامَلَاتِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ النَّاسِ أَوْ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ وَإِقْدَامَهُ عَلَيْهِ كَالْحُرِّ دَلِيلُ الْإِذْنِ (إلَّا أَنَّهُ لَا يُبَاعُ فِي الدَّيْنِ)؛ لِأَنَّ بَيْعَ الرَّقَبَةِ لَيْسَ مِنْ لَوَازِمِ الْإِذْنِ لِأَنَّ الْمُدَبَّرَ الْمَأْذُونَ إذَا لَحِقَهُ الدَّيْنُ لَا تُبَاعُ رَقَبَتُهُ إذْ الدَّيْنُ لَمْ يَظْهَرْ فِي حَقِّ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ الْغُرُورَ وَالضَّرَرَ لَيْسَ مِنْ جَانِبِهِ فَيُطَالَبُ الدَّيْنُ مِنْ الْعَبْدِ بَعْدَ عِتْقِهِ (مَا لَمْ يُقِرَّ سَيِّدُهُ بِإِذْنِهِ) يَعْنِي إذَا حَضَرَ الْمَوْلَى وَأَقَرَّ بِإِذْنِهِ أَوْ أَثْبَتَ الْغَرِيمُ إذْنَهُ عَلَى وَجْهِ الْمَوْلَى فَيُبَاعُ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ.

.فَصْلٌ فِي بَيَانِ حُكْمِ الصَّبِيِّ وَالْمَعْتُوهِ:

(تَصَرُّفُ الصَّبِيِّ إنْ نَفَعَ) بِلَا ضَرَرٍ أَصْلًا (كَالْإِسْلَامِ وَقَبُولِ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ صَحَّ بِلَا إذْنٍ) أَيْ بِلَا تَوَقُّفٍ عَلَى إذْنِ الْوَلِيِّ لِكَوْنِهِ أَهْلًا وَلَوْ عَلَى الْقُصُورِ.
(وَإِنْ ضَرَّ) أَيْ إنْ كَانَ تَصَرُّفُهُ ضَارًّا (كَالطَّلَاقِ وَالْإِعْتَاقِ فَلَا) يَصِحُّ (وَلَوْ) وَصْلِيَّةٌ (بِإِذْنٍ) لِانْعِدَامِ الشَّرْطِ فِيهِ وَهُوَ الْأَهْلِيَّةُ الْكَامِلَةُ (وَإِنْ احْتَمَلَهُمَا) أَيْ النَّفْعَ وَالضَّرَّ (كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ صَحَّ بِالْإِذْنِ) أَيْ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ (لَا بِدُونِهِ) أَيْ الْإِذْنِ عَلَّقَ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ بِانْضِمَامِ رَأْيِ الْوَلِيِّ فِي الْمُتَرَدِّدِ بَيْنَهُمَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ بِإِجَازَةِ الْوَلِيِّ وَلِذَا لَا يَصِحُّ إسْلَامُهُ (فَإِذَا أَذِنَ لِلصَّبِيِّ فِي التِّجَارَةِ أَبُوهُ أَوْ جَدُّهُ عِنْدَ عَدَمِهِ) أَيْ عَدَمِ الْأَبِ (أَوْ وَصِيُّ أَحَدِهِمَا) أَيْ وَصِيُّ الْأَبِ أَوْ الْجَدِّ عِنْدَ عَدَمِ وَصِيِّ الْأَبِ وَالْمُرَادُ مِنْهُ التَّرْتِيبُ؛ لِأَنَّ وَصِيَّ الْأَبِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْجَدِّ وَتَرْتِيبُهُ أَبُوهُ مَا دَامَ حَيًّا حَاضِرًا وَبَعْدَ مَوْتِهِ وَصِيُّهُ الْمُخْتَارُ ثُمَّ وَصِيُّ وَصِيِّهِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ ثُمَّ جَدُّهُ هُوَ أَبٌ الْأَبِ ثُمَّ وَصِيُّهُ ثُمَّ وَصِيُّ وَصِيِّهِ (أَوْ الْقَاضِي) أَيْ ثُمَّ الْقَاضِي أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ دُونَ الْأُمِّ وَوَصِيِّهَا وَصَاحِبِ الشَّرْطِ (فَحُكْمُهُ) أَيْ حُكْمُ هَذَا الصَّبِيِّ (حُكْمُ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ) فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَتَقَيَّدُ بِنَوْعٍ مِنْ التِّجَارَةِ وَيَكُونُ مَأْذُونًا لِسُكُوتِ الْوَلِيِّ حِينَ يَرَاهُ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي وَيَصِحُّ إقْرَارُهُ بِمَا فِي يَدِهِ مِنْ كَسْبِهِ وَيَجُوزُ بَيْعُهُ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا (بِشَرْطِ أَنْ يَعْقِلَ كَوْنَ الْبَيْعِ سَالِبًا لِلْمِلْكِ وَالشِّرَاءِ جَالِبًا لَهُ) أَيْ لِلْمِلْكِ زَادَ الزَّيْلَعِيُّ عَلَيْهِ وَأَنْ يَقْصِدَ الرِّبْحَ وَيَعْرِفَ الْغَبْنَ الْيَسِيرَ مِنْ الْفَاحِشِ (فَلَوْ أَقَرَّ) الصَّبِيُّ الْمَأْذُونُ بِالتِّجَارَةِ مِنْ قِبَلِ الْوَلِيِّ (بِمَا فِي يَدِهِ مِنْ كَسْبِهِ) مِنْ عَيْنٍ أَوْ دَيْنٍ لِوَلِيِّهِ أَوْ لِغَيْرِهِ لِأَنَّهُ مِنْ تَمَامِهِ التِّجَارَةُ وَلَوْ لَمْ يَصِحَّ لَا يُعَامِلُهُ النَّاسُ (أَوْ إرْثِهِ) أَيْ بِمَا وَرِثَ عَنْ أَبِيهِ أَوْ غَيْرِهِ (صَحَّ) إقْرَارُهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ ارْتَفَعَ بِالْإِذْنِ فَصَارَ كَالْبَالِغِ وَعَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ فِي الْإِرْثِ لِأَنَّ الْحَاجَةَ فِي صِحَّةِ الْإِقْرَارِ بِمَا مَعَهُ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ فِي التِّجَارَةِ وَلَا حَاجَةَ فِي الْمُوَرِّثِ (وَالْمَعْتُوهُ) الَّذِي لَا يَعْقِلُ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ (بِمَنْزِلَةِ الصَّبِيِّ) فِيمَا مَرَّ مِنْ الْأَحْكَامِ.
وَفِي التَّبْيِينِ تَفْصِيلٌ فَلْيُرَاجَعْ (وَصَحَّ إذْنُ الْوَصِيِّ أَوْ الْقَاضِي لِعَبْدِ الْيَتِيمِ)؛ لِأَنَّ لَهُمَا تَصَرُّفًا فِي مَالِ الْيَتِيمِ وَالْإِذْنَ مِنْهُ.

.كِتَاب الْغَصْبِ:

وَكَانَ الْمُنَاسِبُ إيرَادَهُ تِلْوَ كِتَابِ الْحَجْرِ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْمُنَاسَبَةِ الظَّاهِرَةِ لَكِنْ عَارَضَهُ أَنَّ إيرَادَ الْمَأْذُونِ بَعْدَ الْحَجْرِ أَدْخَلُ فِي الْمُنَاسَبَةِ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّهُ فَكُّ الْحَجْرِ فَأَوْرَدَهُ بَعْدَهُ كَمَا فِي الْمِنَحِ هُوَ فِي اللُّغَةِ أَخْذُ الشَّيْءِ مِنْ الْغَيْرِ عَلَى وَجْهِ الْقَهْرِ مَالًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ حَتَّى يُطْلَقَ عَلَى أَخْذِ الْحُرِّ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَا يُتَقَوَّمُ يُقَالُ غَصَبَهُ مِنْهُ وَغَصَبْته عَلَيْهِ وَقَدْ يُسَمَّى الْمَغْصُوبُ غَصْبًا تَسْمِيَةً لِلْمَفْعُولِ بِالْمَصْدَرِ.
وَفِي الشَّرْعِ (هُوَ) أَيْ الْغَصْبُ (إزَالَةُ الْيَدِ الْمُحِقَّةِ) أَيْ الَّتِي لَهَا حَقٌّ (بِإِثْبَاتِ الْيَدِ الْمُبْطِلَةِ) فِي مَالٍ مُتَقَوِّمٍ مُحْتَرَمٍ قَابِلٍ لِلنَّقْلِ بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهِ لَا بِخِفْيَةٍ وَهَذِهِ الْقُيُودُ لَا بُدَّ مِنْهَا؛ لِأَنَّ قَوْلَنَا فِي مَالٍ بِمَنْزِلَةِ جِنْسٍ لِكَوْنِهِ شَامِلًا مَعَ أَنَّهُ احْتِرَازٌ عَنْ مَيْتَةٍ وَحُرٍّ وَقَوْلُنَا مُتَقَوِّمٌ احْتِرَازٌ عَنْ خَمْرٍ مُسْلِمٍ وَقَوْلُنَا مُحْتَرَمٌ احْتِرَازٌ عَنْ مَالِ الْحَرْبِيِّ وَقَوْلُنَا قَابِلٌ لِلنَّقْلِ احْتِرَازٌ عَنْ الْعَقَارِ فَإِنَّ غَصْبَهُ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ فَعِنْدَهُ الْغَصْبُ تَفْوِيتُ يَدِ الْمَالِكِ لَا غَيْرُ.
وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ إثْبَاتُ يَدٍ مُبْطِلَةٍ لَا غَيْرُ وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي زَوَائِدِ الْمَغْصُوبِ كَوَلَدِ الْمَغْصُوبَةِ وَثَمَرَةِ الْبُسْتَانِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِمَضْمُونَةٍ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُمْ مَضْمُونَةٌ وَقَوْلُنَا بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهِ احْتِرَازٌ عَنْ أَخْذِهِ مِنْ يَدِ الْمَالِكِ بِإِذْنِهِ كَالْوَدِيعَةِ وَقَوْلُنَا لَا بِخِفْيَةٍ احْتِرَازٌ عَنْ السَّرِقَةِ ثُمَّ أَشَارَ إلَى الْخِلَافِ بِقَوْلِهِ (فَاسْتِخْدَامُ الْعَبْدِ) أَيْ عَبْدِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ (وَحَمْلُ الدَّابَّةِ) أَيْ دَابَّةِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ (غَصْبٌ) لِوُجُودِ إزَالَةِ الْيَدِ الْمُحِقَّةِ وَإِثْبَاتِ الْيَدِ الْمُبْطِلَةِ فِيهِمَا (لَا الْجُلُوسُ عَلَى الْبِسَاطِ)؛ لِأَنَّ الْجُلُوسَ عَلَيْهِ لَيْسَ بِتَصَرُّفٍ فِيهِ إذْ الْبَسْطُ فِعْلُ الْمَالِكِ وَقَدْ بَقِيَ أَثَرُ فِعْلِهِ فِي الِاسْتِعْمَالِ فَلَمْ يَكُنْ آخِذًا وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ الْجُلُوسُ أَيْضًا غَصْبٌ (وَحُكْمُهُ) أَيْ الْغَصْبِ (الْإِثْمُ إنْ عَلِمَ) أَنَّهُ مَالُ الْغَيْرِ وَأَنَّ ذَلِكَ الْفِعْلَ غَصْبٌ وَأَقْدَمَ عَلَيْهِ أَمَّا إنْ ظَنَّ أَنَّهُ مَالُهُ فَالضَّمَانُ وَلَا إثْمَ إذْ الْخَطَأُ مَرْفُوعٌ (وَوُجُوبُ رَدِّ عَيْنِهِ) أَيْ عَيْنِ الْمَغْصُوبِ (فِي مَكَانِ غَصْبِهِ) أَيْ غَصْبِ الْغَاصِبِ إيَّاهَا لِاخْتِلَافِ الْقِيَمِ بِاخْتِلَافِ الْأَمَاكِنِ (إنْ كَانَتْ) الْعَيْنُ (بَاقِيَةً) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُرَدَّ» أَيْ يَجِبُ عَلَى الْيَدِ الْغَاصِبِ رَدُّ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُرَدَّ فَإِذَا رُدَّتْ سَقَطَ وُجُوبُ الرَّدِّ (وَالضَّمَانُ لَوْ هَلَكَتْ) أَيْ الْعَيْنُ سَوَاءٌ عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ وَسَوَاءٌ هَلَكَ أَوْ أَهْلَكَ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى عِلْمِهِ وَقَصْدِهِ (فَفِي الْمُثْلَى) وَهُوَ مَا يُوجَدُ لَهُ مِثْلٌ فِي الْأَسْوَاقِ بِلَا تَفَاوُتٍ مُتَعَدٍّ بِهِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ لَكِنْ يَشْكُلُ بِنَحْوِ التُّرَابِ وَالصَّابُونِ فَإِنَّهُ قِيَمِيٌّ (كَالْكَيْلِيِّ وَالْوَزْنِيِّ وَالْعَدَدِيِّ الْمُتَقَارِبِ) أَيْ مَا لَا يَتَفَاوَتُ آحَادُهُ فِي الْقِيمَةِ (يَجِبُ مِثْلُهُ)؛ لِأَنَّ هَذَا الْوَاجِبَ ضَمَانُ جَبْرٍ وَالْجَبْرُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِإِيجَابِ الْمِثْلِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} وَرَدُّ الْعَيْنِ هُوَ الْمُوجِبُ الْأَصْلِيُّ؛ لِأَنَّهُ أَعْدَلُ وَأَكْمَلُ وَرَدُّ الْقِيمَةِ أَوْ الْمِثْلِ مَخْلَصٌ يُصَارُ إلَيْهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ رَدِّ الْقِيمَةِ وَلِهَذَا يُطَالَبُ بِرَدِّ الْعَيْنِ قَبْلَ الْهَلَاكِ وَلَوْ أَتَى بِالْقِيمَةِ وَالْمِثْلِ لَا يُعْتَدُّ بِهِ لِكَوْنِهِ قَاصِرًا.
وَكَذَا يَبْرَأُ الْغَاصِبُ بِرَدِّ الْعَيْنِ مِنْ غَيْرِ عِلْمِ الْمَالِكِ بِأَنْ سَلَّمَهُ إلَيْهِ بِجِهَةٍ أُخْرَى كَمَا إذَا وَهَبَهُ لَهُ أَوْ أَطْعَمَهُ إيَّاهُ فَأَكَلَهُ وَالْمَالِكُ لَا يَدْرِي أَنَّهُ مِلْكُهُ وَفِي الْإِطْعَامِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ كَمَا فِي شَرْحِ الْكَنْزِ لِلْعَيْنِيِّ (فَإِنْ انْقَطَعَ الْمِثْلُ) عَنْ أَيْدِي النَّاسِ (تَجِبُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْخُصُومَةِ) وَالْقَضَاءُ عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الْمِثْلَ نَوْعَانِ كَامِلٌ وَهُوَ الْمِثْلُ صُورَةً وَمَعْنًى فَصَارَ أَصْلًا فِي ضَمَانِ الْعُدْوَانِ وَقَاصِرٌ وَهُوَ الْمِثْلُ مَعْنًى هُوَ الْقِيمَةُ وَضَمَانُ الْقَاصِرِ لَا يَكُونُ مَشْرُوعًا مَعَ احْتِمَالِ الْأَصْلِ لِكَوْنِهِ خَلَفًا عَنْهُ وَلَا يَنْقَطِعُ الِاحْتِمَالُ بِالِانْقِطَاعِ وَلَكِنْ بِالْخُصُومَةِ وَالْقَضَاءِ وَلِذَا لَوْ صَبَرَ الْمَالِكُ إلَى مَجِيءٍ أَوْ أَنَّهُ كَانَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ بِالْمِثْلِ الْكَامِلِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ نَقْلًا عَنْ التُّحْفَةِ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَوْمَ الْغَصْبِ)؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْوُجُوبِ هُوَ الْغَصْبُ فَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَهُ.
وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ هُوَ أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ كَمَا قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ عَلَى مَا قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَوْمَ الِانْقِطَاعِ)؛ لِأَنَّهُ صَارَ الْآنَ كَاَلَّذِي لَا مِثْلَ لَهُ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ وَبِهِ أَفْتَى كَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَفِيهِ كَلَامٌ؛ لِأَنَّ يَوْمَ الِانْقِطَاعِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لَا ضَبْطَ لَهُ.
(وَفِي الْقِيَمِيِّ كَالْعَدَدِيِّ الْمُتَفَاوِتِ) كَالثِّيَابِ وَالْحَيَوَانِ.
(وَ) الْمُثْلَى الْمَخْلُوطِ بِخِلَافِ جِنْسِهِ نَحْوُ الْبُرِّ (الْمَخْلُوطِ بِالشَّعِيرِ) وَالْمَوْزُونِ الَّذِي فِي تَبْعِيضِهِ ضَرَرٌ كَالْأَوَانِي الْمَصُوغَةِ بِحَيْثُ تُخْرِجُهُ الصَّنْعَةُ عَنْ الْمِثْلِيَّةِ بِجَعْلِهِ نَادِرًا بِالنِّسْبَةِ إلَى أَصْلِهِ كَالْقُمْقُمِ وَالْقِدْرِ وَالْإِبْرِيقِ (تَجِبُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْغَصْبِ إجْمَاعًا)؛ لِأَنَّهُ لَا مِثْلَ لَهُ؛ لِأَنَّ الصُّورَةَ لَمَّا تَعَذَّرَ اعْتِبَارُهَا لِتَفَاوُتِهَا اُعْتُبِرَ الْمَعْنَى وَهُوَ الْقِيمَةُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ وَقَالَ مَالِكٌ يَضْمَنُ مِثْلَهُ صُورَةً.
وَفِي الْمِنَحِ كُلُّ مَكِيلٍ وَمَوْزُونٍ مُشْرِفٍ عَلَى الْهَلَاكِ مَضْمُونٌ بِقِيمَتِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ كَسَفِينَةٍ مَوْقُورَةٍ أُخِذَتْ فِي الْغَرَقِ وَأَلْقَى الْمَلَّاحُ مَا فِيهَا مِنْ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ فِي الْمَاءِ يَضْمَنُ قِيمَتَهَا سَاعَتَئِذٍ.
وَفِي الصَّيْرَفِيَّةِ صَبَّ مَاءً فِي طَعَامٍ فَأَفْسَدَهُ وَزَادَ فِي كَيْلِهِ فَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ قِيمَةَ الْحِنْطَةِ قَبْلَ أَنْ يَصُبَّ الْمَاءَ فِيهِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ طَعَامًا مِثْلَهُ هَذَا إذَا لَمْ يَنْقُلْهُ إلَى مَكَان فَإِنْ نَقَلَهُ يَضْمَنُ الْمِثْلَ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ غَصْبٌ وَهُوَ مِثْلِيٌّ يَجِبُ عَلَيْهِ الْمِثْلُ بِخِلَافِ مَا لَوْ صَبَّ الْمَاءَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي فِيهِ الْحِنْطَةُ بِغَيْرِ نَقْلٍ.
(فَإِنْ ادَّعَى) الْغَاصِبُ (الْهَلَاكَ) أَيْ هَلَاكَ الْمَغْصُوبِ (حُبِسَ) ذَلِكَ الْغَاصِبُ إذَا لَمْ يَرْضَ الْمَالِكُ بِالْقِيمَةِ فَإِنَّهُ مُقِرٌّ بِالْغَصْبِ فَإِذَا أَنْكَرَ أَقَامَ عَلَيْهِ بَيِّنَةً وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ فِي حَقِّ الْحَبْسِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (حَتَّى يَعْلَمَ) وَيَظُنَّ بِمُضِيِّ مُدَّةٍ مَوْكُولَةٍ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي (أَنَّهُ) أَيْ الْمَغْصُوبَ (لَوْ كَانَ بَاقِيًا لَأَظْهَرَهُ ثُمَّ يَقْضِي) أَيْ يَقْضِي الْحَاكِمُ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْغَاصِبِ (بِالْبَدَلِ) أَيْ بَدَلِ الْمَغْصُوبِ أَيْ بِالْمِثْلِ فِي الْمِثْلِ وَبِالْقِيمَةِ فِي الْقِيَمِيِّ وَفِي التَّنْوِيرِ وَلَوْ ادَّعَى الْغَاصِبُ الْهَلَاكَ عِنْدَ صَاحِبِهِ بَعْدَ الرَّدِّ وَادَّعَى الْمَالِكُ الْهَلَاكَ عِنْدَ الْغَاصِبِ وَأَقَامَا الْبُرْهَانَ فَبُرْهَانُ الْغَاصِبِ أَوْلَى هَذَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بَيِّنَةُ الْمَالِكِ أَوْلَى وَفِي الْمِنَحِ الْغَاصِبُ أَوْ الْمُودَعُ الْمُتَعَدِّي إذَا قَالَ لَا أَعْرِفُ قِيمَةَ الْمَغْصُوبِ بَعْدَ هَلَاكِهِ وَالْمَالِكُ يَقُولُ قِيمَتَهُ كَذَا دِرْهَمًا وَهُوَ لَا يُصَدِّقُهُ وَلَا يُقِرُّ بِشَيْءٍ مِنْ الْقِيمَةِ وَيَقُولُ لَا أَعْرِفُ قِيمَتَهُ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى دَعْوَى الْمُدَّعِي فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ يَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ النُّكُولِ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بَعْدَ الْعَرْضِ ثَلَاثًا وَلَوْ قَالَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ كَانَتْ قِيمَةُ ثَوْبِهِ مِائَةً فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْغَاصِبِ مَعَ يَمِينِهِ وَيُجْبَرُ عَلَى الْبَيَانِ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِقِيمَةٍ مَجْهُولَةٍ فَإِذَا لَمْ يُبَيِّنْ يَحْلِفُ عَلَى مَا يَدَّعِي الْمَغْصُوبُ مِنْهُ مِنْ الزِّيَادَةِ فَإِنْ حَلَفَ يَحْلِفُ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ أَيْضًا أَنَّ قِيمَةَ ثَوْبِهِ مِائَةٌ وَيَأْخُذُ مِنْ الْغَاصِبِ فَإِذَا أَخَذَ ثُمَّ ظَهَرَ الثَّوْبُ كَانَ الْغَاصِبُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَضِيَ بِالثَّوْبِ وَسَلَّمَ الْقِيمَةَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ وَإِنْ شَاءَ رَدَّ الثَّوْبَ وَأَخَذَ الْقِيمَةَ.
(وَالْغَصْبُ إنَّمَا هُوَ فِيمَا يُنْقَلُ) لِأَنَّهُ إزَالَةُ يَدِ الْمَالِكِ بِإِثْبَاتِ يَدِهِ وَذَلِكَ يُتَصَوَّرُ فِي الْمَنْقُولِ ثُمَّ فَرَّعَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ (فَلَوْ غَصَبَ عَقَارًا) هُوَ مَالُهُ أَصْلٌ وَقَرَارٌ كَالضَّيْعَةِ وَالدَّارِ (فَهَلَكَ فِي يَدِهِ) بِأَنْ غَلَبَ السَّيْلُ عَلَى الْأَرْضِ أَوْ هُدِمَ الْبِنَاءُ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ (لَا يَضْمَنُ) عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ لِانْتِفَاءِ الشَّرْطِ هُوَ النَّقْلُ بَلْ يُرَدُّ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْغَصْبَ إزَالَةُ الْيَدِ بِفِعْلٍ فِي الْعَيْنِ وَهُوَ لَا يُتَصَوَّرُ فِي الْعَقَارِ لِأَنَّ يَدَ الْمَالِكِ تَزُولُ عَنْهُ بِإِخْرَاجِهِ وَهُوَ فِعْلٌ فِيهِ لَا فِي الْعَقَارِ فَصَارَ كَمَا إذَا أَبْعَدَ الْمَالِكَ عَنْ الْمَوَاشِي حَتَّى تَلِفَ لَا يَضْمَنُ لِأَنَّ مَنْعَ الْمَالِكِ بِالتَّبْعِيدِ فِعْلٌ فِيهِ لَا فِي الْمَوَاشِي (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) فَإِنَّ عِنْدَهُ يَجْرِي الْغَصْبُ فِي الْعَقَارِ؛ لِأَنَّ إزَالَةَ الْيَدِ فِيهِ يَكُونُ بِمَا يُمْكِنُ لَا بِالنَّقْلِ وَبِقَوْلِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ أَوَّلًا وَزُفَرُ وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَبِهِ يُفْتَى فِي الْوَقْفِ كَمَا فِي شَرْحِ الْكَنْزِ لِلْعَيْنِيِّ وَغَيْرِهِ.
وَفِي الْمِنَحِ الْفَتْوَى فِي غَصْبِ الْعَقَارِ وَالدُّورِ الْمَوْقُوفَةِ بِالضَّمَانِ.
وَقَالَ الْأُسْرُوشَنِيُّ وَعِمَادُ الدِّينِ فِي فُصُولِهِمَا وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ أَيْ الْعَقَارَ يُضْمَنُ بِالْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ وَبِالْجُحُودِ فِي الْوَدِيعَةِ أَيْ إذَا كَانَ الْعَقَارُ وَدِيعَةً عِنْدَهُ فَجَحَدَهُ كَانَ ضَامِنًا بِالِاتِّفَاقِ وَبِالرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ بِأَنْ شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ بِالدَّارِ ثُمَّ رَجَعَا بَعْدَ الْقَضَاءِ ضَمِنَا (وَمَا نَقَصَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْعَقَارِ (بِفِعْلِهِ كَسُكْنَاهُ) أَيْ سُكْنَى الْغَاصِبِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ (وَزَرْعِهِ) فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ (ضَمِنَهُ) أَيْ النُّقْصَانَ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا فِي النَّقْلِيِّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إتْلَافٌ وَإِهْلَاكٌ وَالْعَقَارُ يُضْمَنُ بِهِ وَلَا يُشْتَرَطُ لِلضَّمَانِ الْإِتْلَافُ فِي يَدِهِ قِيلَ فِي تَفْسِيرِ النُّقْصَانِ إنَّهُ يَنْظُرُ بِكَمْ تُسْتَأْجَرُ هَذِهِ الْأَرْضُ قَبْلَ الِاسْتِعْمَالِ وَبَعْدَهُ وَقِيلَ بَلْ يَنْظُرُ بِكَمْ تُبَاعُ قَبْلَ الِاسْتِعْمَالِ وَبِكَمْ تُبَاعُ بَعْدَهُ فَيَضْمَنُ تَفَاوُتَ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ النُّقْصَانِ.
وَقَالَ الْعَيْنِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ الْأَقْيَسُ (وَيَأْخُذُ) الْغَاصِبُ (رَأْسَ مَالِهِ) وَهُوَ الْبَذْرُ وَمَا غَرِمَ مِنْ النُّقْصَانِ وَمَا أَنْفَقَ عَلَى الزَّرْعِ (وَيَتَصَدَّقُ بِالْفَضْلِ) عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ حَتَّى إذَا غَصَبَ أَرْضًا فَزَرَعَهَا كُرَّيْنِ فَأَخْرَجَتْ ثَمَانِيَةَ أَكْرَارٍ وَلَحِقَهُ مِنْ الْمُؤْنَةِ قَدْرُ كُرٍّ وَنَقَصَهَا قَدْرُ كُرٍّ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ مِنْهُ أَرْبَعَةَ أَكْرَارٍ وَيَتَصَدَّقُ بِالْبَاقِي (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَتَصَدَّقُ بِهِ) أَيْ بِالْبَاقِي؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ حَصَلَتْ فِي ضَمَانِهِ وَمِلْكِهِ؛ لِأَنَّ مَا ضَمِنَ مِنْ الْفَائِتِ يَمْلِكُهُ بِالضَّمَانِ وَلَهُمَا أَنَّهُ صَارَ مِلْكًا لَهُ مِلْكًا خَبِيثًا وَحَرَامًا لِخُبْثِ السَّبَبِ وَهُوَ التَّصَرُّفُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ فَيَكُونُ سَبِيلُهُ التَّصَدُّقَ.
(وَكَذَا لَوْ اسْتَغَلَّ الْعَبْدَ الْمَغْصُوبَ) أَيْ لَوْ آجَرَ الْعَبْدَ الْمَغْصُوبَ وَأَخَذَ غَلَّتَهُ (فَنَقَصَهُ الِاسْتِغْلَالُ أَوْ آجَرَ) الْمُسْتَعِيرُ (الْمُسْتَعَارَ وَنَقَصَ يَضْمَنُ النُّقْصَانَ)؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ جَمِيعُ أَجْزَائِهِ فِي ضَمَانِهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ قِيمَةِ مَا تَعَذَّرَ رَدُّهُ مِنْ أَجْزَائِهِ كُلًّا أَوْ بَعْضًا (وَمَا فَضَلَ مِنْ الْغَلَّةِ وَالْأُجْرَةِ تَصَدَّقَ بِهِ) عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ (خِلَافًا لَهُ) أَيْ لِأَبِي يُوسُفَ لِمَا ذَكَرْنَا آنِفًا.
(وَإِنْ تَصَرَّفَ فِي الْغَصْبِ أَوْ الْوَدِيعَةِ فَرَبِحَ وَهُمَا يَتَعَيَّنَانِ بِالتَّعْيِينِ) كَالْعُرُوضِ وَنَحْوِهَا (تَصَدَّقَ بِالرِّبْحِ) وَلَا يَطِيبُ لَهُ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ (خِلَافًا لَهُ) أَيْ لِأَبِي يُوسُفَ (أَيْضًا) أَيْ كَخِلَافِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا.
(وَإِنْ كَانَا) أَيْ الْمَغْصُوبُ أَوْ الْوَدِيعَةُ (لَا يَتَعَيَّنَانِ) كَالنَّقْدَيْنِ فَقَدْ قَالَ الْكَرْخِيُّ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (فَإِنْ أَشَارَ) الْمُتَصَرِّفُ (إلَيْهِمَا) أَيْ إلَى دَرَاهِمِ الْغَصْبِ أَوْ الْوَدِيعَةِ (وَنَقَدَهُمَا فَكَذَلِكَ) لَا يَطِيبُ لَهُ الرِّبْحُ وَيَتَصَدَّقُ بِهِ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لَهُ.
(وَإِنْ أَشَارَ إلَى غَيْرِهِمَا وَنَقَدَهُمَا) أَيْ دَرَاهِمَ الْغَصْبِ أَوْ الْوَدِيعَةِ (أَوْ أَشَارَ إلَيْهِمَا وَنَقَدَ غَيْرَهُمَا أَوْ أَطْلَقَ) إطْلَاقًا وَلَمْ يُشِرْ إلَيْهِمَا وَلَا إلَى غَيْرِهِمَا بَلْ قَالَ اشْتَرَيْت بِدِرْهَمٍ.
(وَ) لَكِنْ (نَقَدَهُمَا) أَيْ دَرَاهِمَ الْغَصْبِ أَوْ الْوَدِيعَةِ (طَابَ لَهُ الرِّبْحُ اتِّفَاقًا قِيلَ وَبِهِ) أَيْ بِعَدَمِ الطِّيبِ فِي الْأُولَى وَبِالطِّيبِ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ الْبَاقِيَةِ (يُفْتَى) قَائِلُهُ صَاحِبُ الْوِقَايَةِ مُوَافِقًا لِمَا فِي الْمُحِيطِ حَيْثُ قَالَ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ لِكَثْرَةِ الْحَرَامِ دَفْعًا لِلْحَرَجِ عَنْ النَّاسِ فِي هَذَا الزَّمَانِ وَهَذَا قَوْلُ الصَّدْرِ الشَّهِيدِ.
وَفِي الدُّرَرِ وَبِهِ كَانَ يُفْتِي الْإِمَامُ أَبُو اللَّيْثِ (وَالْمُخْتَارُ) عِنْدَ مَشَايِخِنَا (أَنَّهُ لَا طِيبَ مُطْلَقًا) يَعْنِي فِي الصُّوَرِ كُلِّهَا لِإِطْلَاقِ الْمَبْسُوطِ وَالْجَامِعَيْنِ (وَلَوْ اشْتَرَى بِأَلْفِ الْغَصْبِ أَوْ الْوَدِيعَةِ جَارِيَةً تَعْدِلُ أَلْفَيْنِ فَوَهَبَهَا أَوْ طَعَامًا فَأَكَلَهُ لَا يَتَصَدَّقُ بِشَيْءٍ) وَهَذَا قَوْلُهُمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ إنَّمَا يَتَبَيَّنُ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ.